ديما الفاعوري : من الدوار الرابع إلى قلب الشارع: كيف كسب جعفر حسّان ثقة الأردنيين

بعد مرور مئتي يوم على تشكيل حكومة الدكتور جعفر حسّان، يبدو أن المشهد السياسي في الأردن يعيش حالة نادرة من التوافق الشعبي والثقة المتصاعدة، حيث أن الأرقام التي حملها استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية لا يمكن تفسيرها إلا بوصفها انعكاساً لواقع يتغيّر بثبات، وحكومة تتقدّم في اختبار الرأي العام بثقة ومسؤولية.
ما يزيد على سبعة من كل عشرة مواطنين يرون أن الأوضاع تسير في الاتجاه الصحيح، وهذه تعتبر نسبة عالية في استطلاع رأي تكشف مدى شعور الأغلبية ببتحسّن ملموس أو على الأقل أمل واقعي بالخروج من نفق الأزمات المتلاحقة، ويتعزز هذا الانطباع حين يقرّ أكثر من نصف الأردنيين بأن الاقتصاد الوطني يتحسن، وهي نسبة ملفتة في بلد ظلّ الاقتصاد فيه أحد أعقد التحديات.
الثقة المتزايدة لا تقتصر على السياسات العامة، بل تمتد إلى رأس الحكومة شخصياً، فقد أعرب 71% من المواطنين عن ثقتهم بقدرة رئيس الوزراء على تحمّل مسؤولياته، وهي نسبة ترتفع أكثر عند قياسها بين قادة الرأي والنخب، وتكتسب الأرقام التي سلط عليها الاستطلاع في دلالتها من كونها لم تأتِ في فراغ أو ظرف مثالي، بل في لحظة حساسة تواجه فيها الدولة الأردنية تحديات إقليمية وضغوطاً اقتصادية داخلياً، الأمر الذي يمنح هذه الثقة طابعاً سياسياً بامتياز.
ومن اللافت أيضًا أن هذه الثقة لا تقتصر على التقييم النظري، بل تمتد إلى الاهتمام الفعلي بما تقوم به الحكومة؛ إذ بيّن الاستطلاع أن غالبية المواطنين، ونسبة شبه مطلقة من النخب، يتابعون عن كثب أداء الحكومة، وهذه المتابعة لا تعني فقط الرضا، بل أيضاً ترسيخاً لبيئة من المساءلة والانفتاح السياسي، ويتعزز هذا الانطباع حين نرى أن 55% من الأردنيين باتوا يشعرون بحرية انتقاد الحكومة دون خوف، ما يعكس تطوّراً لافتاً في مساحة التعبير السياسي.
الاستطلاع وجّه أيضاً رسالة واضحة برفض التعديل الوزاري في المرحلة الحالية، حيث عبّر 65% من المواطنين و56% من قادة الرأي عن عدم تأييدهم لأي تغيير حكومي، مايدل على أنها رسالة دعم للاستقرار السياسي، تُقرأ في سياق وطني يحترز دائماً من التبديل المتسرع وغير المبرر.
وفي عمق هذا المشهد، تستمر مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية في المحافظة على نسب ثقة شبه مطلقة، وهو ما يعكس تمسك الأردنيين بثوابتهم الوطنية واستعدادهم لدعم الدولة حين تقترب منهم وتكاشفهم، كما تجاوزت الثقة بالمؤسسة الأمنية 99% في بعض القطاعات، وهذه أرقام يصعب تجاهلها عند تحليل المزاج الشعبي العام.
وفي قلب هذا الإنجاز السياسي، نجد حضوراً ميدانياً ملحوظاً لرئيس الحكومة. فقد لاقت جولاته التفقدية في المحافظات استحساناً واضحاً من ثلثي المواطنين، واعتبر كثيرون أن لهذه الجولات أثراً مباشراً في تحسين الأوضاع المحلي، والمثال الأبرز يتمثل في زيارته المفاجئة لمستشفى النديم في مأدبا، وما تبعها من تحرّك حكومي لتوسعة قسم الطوارئ ووضع حجر الأساس لمستشفى جديد.
أما بالمقارنة مع الحكومات السابقة، فقد أظهر الاستطلاع أن حكومة جعفر حسّان قد حازت على أعلى نسبة ثقة شعبية منذ العام 2011، وهي سابقة تعيد صياغة مشهد العلاقة بين الأردنيين والحكومات. فالمواطن الذي طالما شكا من الأداء الحكومي، يبدو اليوم أكثر ميلاً لمنح الفرصة والاستمرار لحكومة تطرح خطاباً واقعياً، وتتحرك في الميدان، وتواجه الملفات الثقيلة بلا تردد.
تفسير هذه القفزة في الثقة العامة لا ينفصل عن شخصية رئيس الوزراء نفسه، فالرجل الذي جاء إلى الدوار الرابع حاملاً تركة ثقيلة، نجح في تحويل الملفات المعقّدة إلى فرص للإنجاز، اتسم أداؤه بالهدوء والوضوح، وابتعد عن الشعارات الفضفاضة، وركّز على التنفيذ، وهو ما أكسبه احتراماً عاماً وقبولاً واسعاً بين فئات مختلفة من المجتمع.
في النهاية، ليست استطلاعات الرأي وحدها التي تصنع الثقة، ولكنها مؤشرات قوية إذا ما التُقطت بالشكل الصحيح، اليوم، يبدو أن الدكتور جعفر حسّان يقود حكومة تملك ثقة شعبية لا يُستهان بها، في وقت تحتاج فيه الدولة الأردنية إلى تماسك داخلي وقدرة تنفيذية لمواجهة تحديات الخارج، كما أن المؤشرات الحالية توحي بأننا أمام لحظة سياسية نادرة، تُبنى فيها الثقة من أسفل إلى أعلى، ومن الميدان إلى المؤسسات، ومن المواطن إلى رأس الحكومة.