د. محمد رحامنة : على هامش العدد الأول من مجلة المحكمة الدستورية (3)

سبقت الإشارة في المقال الثاني من هذه السلسلة إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت مؤخرًا العدد الأول من مجلتها، وقد خصصته لما صدر عنها من أحكام وقرارات منذ إنشائها عام 2012 حتى نهاية العام 2024؛ أما الأحكام فهي ما صدر عن المحكمة عند ممارسة دورها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وأما القرارات فهي ما صدر عنها عند ممارسة دورها الآخر وهو تفسير النصوص الدستورية.
ولأن الأصل في القاعدة القانونية أنها صدرت متوافقة مع الدستور غير مخالفة له، فقد قصر المشرع الحق في الطعن بعدم الدستورية بثلاث جهات رسمية؛ مجلس الأعيان، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، كما سمح لأطراف الدعوى القضائية المنظورة أمام أي محكمة إثارة الدفع بعدم الدستورية حول النص واجب التطبيق على النزاع وفق ضوابط محددة.
من جهة أخرى فقد أشرك المشرع كل من مجلس الأعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء في تأكيد دستورية القاعدة القانونية والذود عن النص القانوني شبهة عدم الدستورية.
فلو تقدمت إحدى الجهات الرسمية الثلاثة بطعن بعدم دستورية نص معين فعلى المحكمة إرسال نسخة من ذلك الطعن إلى الجهتين الأخريين، ويكون لهما الحق في تقديم رد على الطعن في غضون (10) أيام من تاريخ تسلم نسخة الطعن؛ فمسألة الرد جوازية والحالة هذه.
كذلك الأمر إذا تمت إثارة دفع بعدم دستورية نص معين من قبل أطراف الدعوى القضائية المنظورة أمام أي محكمة، وصدر قرار إحالة هذا الدفع إلى المحكمة الدستورية فيتم إرسال نسخة من قرار الإحالة إلى رؤساء الجهات الرسمية الثلاثة (رئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء)، لتقديم رد خلال (10) أيام من تاريخ تسلم نسخة قرار الإحالة.
ويشير العدد الأول من المجلة إلى أن المحكمة لم تتلق أي رد على الطعون الناتجة عن الدفع بعدم الدستورية من رئيس مجلس الأعيان، وتلقت ردًا مرة واحد من رئيس مجلس النواب، في حين أن المحكمة تلقت ردًا من رئيس الوزراء على جميع تلك الطعون.
ولعل لهذا الأمر ما يبرره من الناحية القانونية؛ فالمشرع جعل رئيس مجلس الوزراء ملزمًا بالرد على الطعن الناتج عن الدفع بعدم الدستورية، في حين أن المشرع لم يلزم رئيس مجلس الأعيان أو رئيس مجلس النواب بتقديم رد على الطعن (المادة 12/ب من قانون المحكمة الدستورية)، وقد أشارت المحكمة الدستورية في أحد أحكامها إلى ذلك بقولها: «لم يأت رد من رئيس مجلس الأعيان مستندًا إلى الخيار الممنوح له ...» (الحكم رقم 1 لسنة 2017).
وعليه، ولضمان تفعيل دور مجلس الأمة في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة فقد يكون من الملائم تشكيل لجنة في مجلس النواب، وأخرى مماثلة في مجلس الأعيان تعنى بدراسة قرارات الإحالة الواردة إلى المجلس من المحكمة الدستورية والتأكد من شبهة عدم الدستورية واتخاذ ما يلزم لإعداد الرد على الطعن بعدم الدستورية، أو إناطة تلك المهمة باللجنة القانونية من خلال تعديل النظام الداخلي لكل مجلس؛ ليتسنى لرئيس المجلس تقديم الرد المناسب إلى المحكمة الدستورية خلال المهلة القانونية سندًا لأحكام المادة (12/ب) من قانون المحكمة الدستورية.