الأخبار

شهرزاد مثقال ابو تايه : لماذا أُلغيت حصة الإرشاد من الجدول الدراسي؟

شهرزاد مثقال ابو تايه : لماذا أُلغيت حصة الإرشاد من الجدول الدراسي؟
أخبارنا :  

من المفترض أن المجتمعات تُبنى على منظومة متماسكة من القيم والأخلاق، حيث تكون المدرسة بيتًا للتربية قبل أن تكون مكانًا للتعليم، والأسرة هي اللبنة الأساسية في تكوين شخصية الفرد. لكن مع تسارع وتيرة التغيير الثقافي والاجتماعي، بدأنا نلمس فجوة كبيرة بين جيل الثمانينات والتسعينات، والأجيال التي تلتهم، حتى أصبح السؤال مطروحًا: لماذا اختلفت هذه الأجيال، ولماذا اختلت منظومة القيم في المجتمع؟

أتذكر ذلك اليوم، حين ذهبت مع أمي لتسجيلي في إحدى المدارس الثانوية المخصصة للبنات. كان المكان يعج بالحركة، وجّهت امي كلامها لمديرة المدرسة: (لم آتِ إلى هذه المدرسة سوى لسمعتها في الضبط والربط)، امي كانت ضابطاً في الثقافة العسكرية، وهذه القيم كانت أساسية في حياتنا، نظرت إليّ المديرة وقالت: (نحن هنا لا نعلّم فقط، بل نصنع شخصيات قادرة على مواجهة الحياة). حينها كانت المدارس والمنظومة التعليمية مؤمنة بأن المدارس يحكمها الانضباط، وبأن التعليم ليس مجرد دروس وكتب، بل كان يُعتبر الانضباط جزءًا أساسيًا من نوعية التعل?م وتشكيل الشخصية.

ما الذي أدى إلى تغيير هذه القيم الثابتة؟ تلك القواعد الصارمة التي كانت تُحكم بها المدارس، ذلك الاحترام الذي كان يُكنّه الصغار للكبار، وحتى تلك القيم البسيطة التي كنا نعيشها يوميًا، كلها بدأت تتلاشى تدريجيًا. لم يعد الطلاب يخافون نظرة المعلم، ولم يعد الأبناء ينصتون لنصائح آبائهم كما كنا نفعل.

جيلنا، جيل الثمانينيات والتسعينيات، نشأ في بيئة مغايرة تمامًا. كنا نلعب في الحارات، وتعلمنا من الحياة قبل أن ندخل المدارس. الاحترام كان شيئًا بالفطرة، والتربية الحازمة لم تُعتبر قسوة بل وسيلة لصقل شخصيات قوية. لم يكن هناك إنترنت يعطّل تواصلنا الحقيقي، ولم تكن التسلية بلا حدود تسرق عقولنا. كنا نجد متعتنا في قصص الجدات، وفي الاجتماعات العائلية، وفي الألعاب البسيطة على أبواب المنازل، التي علّمتنا كيف نكوّن أصدقاء حقيقيين.

أما اليوم، فكل شيء تغير. لم يعد الطفل يحتاج إلى صديق يلعب معه، يكفيه هاتفه الذكي. لم يعد المراهق يحتاج إلى معلم يوجهه، فقد أصبح الإنترنت معلمه الأول. اختفت النقاشات الأسرية لتحل محلها محادثات سريعة على تطبيقات الرسائل. أصبحت القيم التي كبرنا عليها مجرد ذكريات، والسبب في ذلك لا يعود لعامل واحد فقط، بل لتغيرات عديدة ضربت المجتمع في صميمه. التربية التي كانت تعتمد على الصرامة والانضباط استُبدلت بأساليب متساهلة تحت ذريعة «ترك الحرية للأطفال» و"التربية الحديثة»، التعليم الذي كان يبني العقول أصبح مجرد سباق للحصول?على علامات، دون الاهتمام بالأخلاق. العائلة التي كانت الملاذ الأول، باتت منشغلة بصراعات الحياة، وأصبح الأبناء يتلقون تربيتهم من الشاشات لا من الآباء.

جيل اليوم مختلف. لا يعني ذلك أنه جيل سيئ، لكنه يواجه تحديات لم نكن نعرفها من قبل، أصبح أكثر عرضة للقلق والاكتئاب، لأن المقارنات على وسائل التواصل الاجتماعي لا ترحمه، بات يفضل العزلة الرقمية على التفاعل الحقيقي، فلم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت، ولم يعد يتحمل المسؤولية كما كنا نفعل، لأن الحياة أصبحت أسهل، وكل شيء متاح بكبسة زر.

هل الحل بالعودة إلى الماضي؟ ليس المطلوب أن نعود بالزمن إلى الوراء، لكن لا بد من إيجاد التوازن. التطور شيء مهم وحتمي، لكن حين يصبح على حساب القيم، يصبح خطيراً. يجب على الأسر أن تستعيد دورها، والمدارس سلطتها، والمجتمع هيبته. لا يمكننا أن نترك الأجيال القادمة تنجرف في هذا التيار دون أن نمسك بأيديهم، فهم مسؤولية ولّينا عليها.

مواضيع قد تهمك