الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : رموز

اسماعيل الشريف يكتب : رموز
أخبارنا :  

«إن اللبيب من الإشارة يفهم»، علي بن أبي طالب.

يعتمد قادة العالم وصُنّاع السياسة على لغة صامتة تتجاوز حدود الكلمات المنطوقة؛ حيث يوظِّفون الرموز والإشارات غير اللفظية لإيصال رسائل عميقة المغزى. تتنوع هذه الرموز بين اختيارات مدروسة للملابس والإكسسوارات، وإيماءات جسدية محسوبة، وصور استراتيجية يتم تداولها عبر منصات الإعلام المختلفة، موجهة بعناية إلى جماهيرهم المحلية، ومنافسيهم السياسيين، وحلفائهم على حد سواء.

برزت مادلين أولبرايت، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، كنموذج بارع في توظيف الدبابيس كأداة دبلوماسية صامتة في لقاءاتها مع قادة العالم؛ فعندما أرادت إرسال رسالة تحذيرية، اختارت بروشًا على شكل نحلة، مشيرة إلى قدرتها على «اللسع». وفي موقف لافت للنظر، حولت وصف صحيفة عراقية لها بـ»الحية» إلى فرصة دبلوماسية، حيث تعمدت ارتداء بروش على شكل ثعبان في لقائها مع المسؤولين العراقيين، مؤكدة أن توصيفهم لها كان في محله.

شهد عام 2014 حادثة دبلوماسية مثيرة للجدل عندما التُقطت صورة للرئيس أوباما وهو يمسك بعصا جولف أثناء محادثة هاتفية مع الرئيس التركي أردوغان، مما أثار حفيظة الأتراك الذين ردوا بذكاء دبلوماسي عبر تصوير أردوغان بجانب كرة جولف خلال اتصال مماثل مع أوباما. وفي سياق مختلف، اعتمد الرئيس الروسي بوتين لغة جسد تحمل رسائل تحدٍ واضحة في لقاءاته مع القادة الغربيين، متخذًا وضعية جلوس بساقين متباعدتين وقبضة محكمة على الطاولة.

تجلت الدبلوماسية الرمزية أيضًا في اختيارات هيلاري كلينتون، حيث ارتدت خلال زيارتها لبورما بروشًا على شكل زهرة الياسمين التي تمثل رمزًا للمعارضة المحلية هناك. وفي بريطانيا، وجهت الملكة رسالة سياسية ذكية عندما اختارت ارتداء بروش كان قد أهداه لها أوباما أثناء لقائها مع ترامب. أما في المشهد الكوري الشمالي، فقد حمل زعيم البلاد حقيبة سوداء خلال لقائه مع ترامب، في إشارة رُمزية فُسرت على أنها حقيبة التحكم بالأسلحة النووية، موجهًا بذلك رسالة تهديد ضمنية للغرب.

في تطور لافت للانتباه، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، المعروفة بكونها المنبر الإعلامي الرئيسي للكيان الصهيوني والمعبرة عن توجهات مؤسساته السياسية والأمنية، صورة تجمع الرئيس المصري مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي. وتكتسب هذه الصورة أهمية خاصة في ضوء حادثة تحطم طائرة رئيسي في مايو الماضي، والتي أثارت شكوكًا حول تورط الموساد فيها.

وقد اقترنت الصورة بتقرير يتناول موقف الرئيس المصري المعارض لمخطط ترامب القاضي بتهجير سكان غزة قسرًا إلى الأردن وسيناء.

تحمل هذه الصورة في طياتها رسالة تحذيرية موجهة إلى الدول المعارضة لخطة ترامب، خاصةً في ظل تصريحاته ردًّا على رفض الأردن ومصر لفكرة توطين الفلسطينيين في أراضيهما، حيث أكد بنبرة متعالية: «سيفعلون ذلك، سيفعلون ذلك». إن توقيت نشر هذه الصورة يبدو مدروسًا بعناية، ويندرج ضمن حملة الضغط المتصاعدة لإرغام هذه الدول على الانصياع.

هذا المشهد يكشف عن موجة قادمة من الضغوط الهائلة التي ستواجهها كل من الأردن ومصر لإجبارهما على القبول بهذا المخطط. وستتخذ هذه الضغوط مسارات متعددة، تشمل الجانب الاقتصادي من خلال تقليص المساعدات أو تجميدها، وعرقلة تدفق الاستثمارات الأجنبية، ووضع العراقيل أمام التعامل مع المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما ستمتد لتشمل الضغوط السياسية والدبلوماسية، مع تقليص التعاون في المجالين الأمني والعسكري، وخفض الدعم المخصص للاجئين، في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع.

شهدت مدينة حيفا المحتلة مؤخراً لقاءً مطولاً استمر لساعتين ونصف، جمع مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، مع كل من سموتريتش ونتنياهو، لمناقشة التفاصيل الدقيقة لخطة ترامب. وتكمن خطورة هذا اللقاء في توقيته ودلالاته السياسية العميقة.

ومما يثير القلق البالغ احتمال تعرضنا لموجة منظمة من التضليل الإعلامي الموجه ضد الأردن وقيادته السياسية. تهدف هذه الحملات المتوقعة إلى زعزعة معنويات الشعب، وبث الخوف في نفوسه، وتقويض وحدته الوطنية، في محاولة لتمهيد الطريق لقبول هذه الخطة. هذه الاستراتيجية المدروسة تسعى لزرع بذور الشك والفرقة، وإضعاف الموقف الوطني الصلب الرافض لسياسة التهجير القسري.

تلوح في الأفق نذر حرب إقليمية، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي العربي ضد الممارسات الصهيونية في غزة، واتخاذ القيادات العربية مواقف صارمة في مواجهة خطة ترامب. وتقف في الصف الأول جيوش عربية متأهبة، تحمل في ذاكرتها تاريخًا طويلاً من المواجهات مع العدو الصهيوني، وتستمد قوتها من عقيدة راسخة قوامها «الله، الوطن، الملك». هذه القوات العسكرية المحترفة تمتلك من القدرات والإمكانات ما يؤهلها للتصدي لأعتى التحديات، إذا ما فُرضت عليها المواجهة.

وأختم بتأكيد لا يقبل المساومة: يجب علينا أن نلتف حول قيادتنا في مواجهة هذا التحدي المصيري، وأن نتوخى الحذر في التعامل مع الأخبار الواردة من الخارج، وأن نتصدى بحزم وقوة لكل من يحاول المساس بنسيجنا الوطني المتماسك. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك