د. واصل المشاقبة : رفع رأسمال البنك المركزي الأردني إلى 100 مليون دينار خطوة استراتيجية لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي
![د. واصل المشاقبة : رفع رأسمال البنك المركزي الأردني إلى 100 مليون دينار خطوة استراتيجية لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي](/assets/2025-02-06/images/280082_1_1738790944.jpg)
في خطوة تعكس التزام الحكومة الأردنية بتعزيز الاستقرار المالي والنقدي، جاء قرار رفع رأسمال البنك المركزي الأردني إلى 100 مليون دينار كإجراء استراتيجي يهدف إلى تعزيز قدرة البنك المركزي على إدارة السياسة النقدية بفعالية أكبر. يعكس هذا القرار رؤية الحكومة الرامية إلى تحصين الاقتصاد الوطني ضد التقلبات الداخلية والخارجية، ودعم استقرار النظام المصرفي، وتعزيز الثقة بمؤسساته النقدية. إن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء مالي، بل أداة أساسية لتعزيز قدرة البنك على تنفيذ سياسات نقدية أكثر مرونة واستجابة لمتغيرات الاقتصاد العالمي، بما يتماشى مع الأولويات الاستراتيجية للدولة في بناء اقتصاد أكثر توازنا واستدامة.
تُظهر البيانات المُستقاة من تقارير البنك المركزي الأردني بنهاية عام 2024 أن موجوداته بلغت حوالي 19.3 مليار دينار أردني، حيث تُشكل الأرصدة بالعملات الأجنبية، وحقوق السحب الخاصة المصدرة من صندوق النقد الدولي، والذهب، جزءاً كبيراً منها. إذ تقدر قيمة الموجودات بالعملات الأجنبية بحوالي 16.8 مليار دينار، مما يعكس نسبة تصل إلى 87 ٪ من إجمالي الأصول. قبل الزيادة الأخيرة، كان رأسمال البنك المركزي 48 مليون دينار أردني، وكانت آخر زيادة قد أُعلنت في عام 2013.
الأهمية الاقتصادية للقرار وتوقيته الاستراتيجي:
جاء الإعلان عن هذا القرار في لحظة دقيقة تتطلب تعزيز قدرة البنك المركزي على التعامل مع المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية. ويأتي هذا القرار في ظل تحديات اقتصادية متزايدة عالميًا، تشمل ارتفاع معدلات التضخم، تقلبات أسعار الفائدة،أزمات الأسواق المالية بالإضافة الى قرارات الإدارة الأمريكية المتعلقة بالمساعدات للأردن. في هذا السياق، تسعى الحكومة الأردنية إلى ضمان بقاء البنك المركزي في موقع قوة، مما يمكنه من ضبط السيولة، مراقبة الاستقرار النقدي، وضمان استدامة النمو الاقتصادي. رفع رأسمال البنك المركزي يعزز من قدرته على دعم النظام المصرفي عبر توفير الاحتياطات اللازمة للتدخل في الأوقات الحرجة، خاصة عند مواجهة أي أزمات مالية قد تؤثر على استقرار القطاع المصرفي. كما يعكس هذا القرار رؤية أوسع للدولة تهدف إلى تحقيق استقرار نقدي يواكب متطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة وفقًا لرؤية التحديث الاقتصادي.
الفوائد الاقتصادية المرجوةمن قرار الرفع:
رفع رأسمال البنك المركزي يُترجم ايضا إلى تقوية الأدوات النقدية المتاحة للسلطات النقدية، مما يُمكّنه من إدارة السياسة النقدية بكفاءة أعلى. فمن خلال زيادة رأس المال، يستطيع البنك تعزيز قدرته على التحكم بمعدلات السيولة داخل السوق، سواء عبر عمليات السوق المفتوحة أو أدوات السياسة النقدية الأخرى، مما يمنحه مرونة أكبر في مواجهة المتغيرات الاقتصادية.إضافة إلى ذلك، تسهم هذه الخطوة في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالاقتصاد الأردني، حيث تعكس التزام الحكومة بتقوية مؤسساتها النقدية وضمان استقرارها على المدى الطويل. ومن شأن هذا تعزيز بيئة الاستثمار وجذب تدفقات رأسمالية أكبر، مما يدعم النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة، بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية التحديث الاقتصادي.
دور القرار في دعم صناع السياسات النقدية:
يعد هذا القرار خطوة مهمة في تسهيل عمل صانعي السياسات النقدية. فمع زيادة رأس المال، ستعزز قدرة البنك المركزي من التدخل عند الحاجة لدعم القطاع المصرفي ضخ السيولة، أو تقديم تسهيلات للبنوك المحلية، كما يعزز القرار من استقلالية البنك المركزي، حيث يتيح له تعزيز إدارة ميزانيته بمرونة أكبر، مما يضمن استدامة استقرار النظام النقدي على المدى الطويل.علاوة على ذلك، فإن زيادة رأس المال تتيح لصانعي السياسة النقدية إمكانية تبني نهج استباقي في مواجهة الأزمات الاقتصادية، بدلاً من الاكتفاء بردود الفعل عند وقوع الأزمات. فالبنوك المركزية التي تمتلك قاعدة رأسمالية قوية قادرة على التعامل مع الأزمات بثقة، سواء من خلال دعم البنوك التجارية، إدارة معدلات الفائدة، أو التدخل في الأسواق النقدية عند الضرورة. كذلك، فإن هذا القرار يدعم استقرار الدينار الأردني عبر تعزيز قدرة البنك المركزي على التدخل في سوق الصرف الأجنبي عند الحاجة، مما يحافظ على مستويات التضخم ضمن نطاق مستهدف ويساهم في استقرار الأسعار، وهو ما ينعكس إيجابًا على القوة الشرائية للمواطنين. وفي ظل بيئة اقتصادية تتسم بالتقلبات العالمية، فإن هذا الإجراء يعد ضروريًا لضمان استمرار استقرار السياسة النقدية والمالية في المملكة.
وأخيراً:
يعد قرار رفع رأسمال البنك المركزي الأردني إلى 100 مليون دينار خطوة استراتيجية تعزز الاستقرار المالي والنقدي في المملكة، وتساهم في تحصين الاقتصاد الوطني ضد الأزمات العالمية. كما أنه يعكس التزام الحكومة ببناء قطاع مالي قوي قادر على تحقيق التنمية المستدامة وضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.ومن خلال تعزيز ثقة المستثمرين، توسيع نطاق الأدوات النقدية، ودعم استقرار الدينار الأردني، فإن هذا القرار يمثل اولا استقلالية البنك المركزي كمؤسسة سيادية مستقلة باتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية، ويعد استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل الاقتصاد الأردني، ويؤكد التزام الحكومة بضمان نمو اقتصادي مستدام واستقرار مالي طويل الأمد. ــ الدستور