الأخبار

عبد الهادي راجي المجالي : الحرب

عبد الهادي راجي المجالي : الحرب
أخبارنا :  

.. انتهت الحرب، حسنا ماذا سيحدث بعد ذلك؟...

الذي سيحدث أن النصر له ألف أب، أما الهزيمة فالكل سيتبرأ منها..

حتما سيشارك البعض في حملة لإعمار غزة، وسيعقدون مؤتمرا عاما لجلب الأموال والتبرعات.. وسيقول أحدهم في معرض الحديث عن المؤتمر: (الحمد لله لقد انتصرنا).. وهو ذاته من كان يقول في جلساته المغلقة: (غزة انتهت) هو ذاته من كان يقول: (ورطونا)..

أيضا ستقوم الفنادق الفاخرة باستضافة بعض السيدات، اللواتي أسسن مبادرة من أجل أطفال غزة، وستقول سيدة ثرية في حديثها عن المبادرة التي أسستها.. إنها لم تكن تعرف النوم في الليل، وصور المجازر والأشلاء تداهم عقلها كلما حاولت أن تغفو، وسيصفق الجمع.. وستذرف دمعة حرّى، ثم ستعلن أنها تبرعت بثمن سيارتها.. سيكون موسم الإعمار موسما للاستعراض أيضا.

وسيجلس أحد الذين أمضوا فترة الحرب، في التجول بين السفارات بحثا عن تمويل لمراكزه، سيجلس أحد الذين كانوا يقدمون شهادات حسن سلوك للجهات الممولة، مرتبطة بإدانته للاختطاف والعمل المسلح، واعترافه بشرعية الحرب.. سيجلس خلف شاشة تلفاز وطني ويتغنى بصبر الشعب الفلسطيني وبسالته.. فهذا موسم نقل البندقية من كتف لكتف، هو موسم النفاق والتزلف وركوب الموجة..

أما الذين كانوا يداهمون نومنا بمكالماتهم الهاتفية المباغتة، ويسدون النصح لنا بعدم الإنجرار وراء العاطفة، ويخبروننا بأن المعركة حسمت وغزة انتهت.. ويعرضون علينا تحليلاتهم ومصادرهم، ويعرضون علينا النتائج النهائية للحرب ومن ضمنها أن شعب غزة سيغادر والقطاع سيفرغ.. فهؤلاء سيجلسون أمامنا.. ويدعون أنهم كانوا يعرفون النتيجة، وكانوا يدركون أن الشعب الفلسطيني سينتصر.. سيقولون ذلك بكل وقاحة، لكن لن ننسى خذلانهم ونصائحهم التافهة.

أما أنا فسأجلس في منزلي وأراقب التلفاز، لقد كنت مع ضميري ومن انتصر هو الضمير الحي فقط، كنت مع عروبتي.. وعروبتي انتصرت.

أهل غزة الذين تحملوا نار جهنم، حين صبت فوقهم.. يستطيعون الفرز وسيعرفون كل يد امتدت لهم ساعة المنازلة، كل رغيف خبز، كل دعاء مستفيض في الهزيع الأخير من الليل وممزوج بالبكاء أطلقته الأمهات، يعرفون.. حتما يعرفون من صمت ومن نطق، ومن تخاذل ومن صبر.. ومن ترك الأهل والوظيفة وغادر لمستشفياتهم ودفع دمه.. يعرفون من بكى ومن ضحك، من انسحب ومن ظل صامدا.. أهل غزة يعرفون.

والآن حين تصمت البنادق وتخرس المدافع، سينشغل الناس بإعادة دفن رفات الشهداء.. فبعضهم دفن في الحدائق وبعضهم دفن في ساحات المستشفيات وبعضهم في أقبية المنازل، الان سيرتاح الشهداء حين يوارى كل واحد منهم الثرى مرة أخرى وبجانب شهيد وفي مقبرة مناسبة...

حين تنتهون من إعادة دفن الشهداء وتكريمهم يا أهل غزة، لا تنظروا لأي جهة في الأرض حتى البحر لا تنظروا له.. البحر هو الآخر خذلكم، اجعلوا عيونكم شاخصة باتجاه السماء.. هو الله وحده من كان معكم، ومن أيدكم بالصبر والقوة.. هو وحده من نصركم.. وأرجوكم لا تنسوا نيابة عنا أن تقبلوا كل يد حملت السلاح.. فهذه اليد هي ما تبقى لنا في زمن خسرنا فيه كل شيء.

ــ الراي

Abdelhadi18@yahoo.com

مواضيع قد تهمك