الأخبار

العين د . زهير ابوفارس يكتب : قراءة في الإنزال الأميركي..

العين د . زهير ابوفارس يكتب : قراءة في الإنزال الأميركي..
أخبارنا :  

هل ما قام به الأميركي، وبعض الدول الاوروبية، بعملية إنزال مظلي مشترك مع الأردن، لمواد إغاثية على غزة، يمثل تحولا حقيقيا في مواقف الولايات المتحدة، ام انه مناورة سياسية نحو الداخل الأميركي، مع بداية التحضيرات العملية للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم، ومآرب أخرى؟!.

مع اننا نتمنى أن تكون بداية لصحوة إنسانية تجاه جريمة العصر التي يقترفها الاحتلال الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. مع ملاحظة ان هذا الموقف ليس كافيا، ولم يرق إلى مستوى تفاعل الدولة الاقوى في العالم، مع حجم المأساة الإنسانية التي أحدثها العدوان الغاشم. وهنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أولا: لقد كرست الانزالات المتتالية للمواد الاغاثية والطبية والحيوية، التي بادر إليها بواسل قواتنا المسلحة، بتوجيهات ومتابعة مباشرة، بل ومشاركة من القائد الأعلى شخصيا، واقعا عمليا، اثبت فعاليته، في كسر الحصار، الذي فرضته دولة الاحتلال، منذ عدوانها الذي دخل شهره السادس، ليصبح انموذجا وطريقا يحتذى لكل ذي ضمير حي، يسعى إلى منع الإبادة الجماعية، وممارسات التجويع والتطهير العرقي العنصري. (رغم حملات التشكيك والتشويش الممنهجة لجهات خارجية، بل وداخلية، لا تريحها مواقف الأردن المتميزة، خاصة عندما يعجز هؤلاءالآخرون).

كما أن إصرار قيادتنا الهاشمية على مواصلة جهودها لكسر الحصار، (مهما كلف الثمن)، وتقديم المساعدات.. قد فتحت أعين العالم ودولنا العربية والإسلامية، على المشاركة في تقديم العون، بهدف المساهمة في منع التجويع والهجير،وتفريغ الأرض الفلسطينية.

ثانيا: عندما بادر الأردن الذهاب وحيدا لكسر الحصار، فإنه انطلق من قناعاته الصادقة، التي لا تقبل، باي حال، الصمت على جرائم الاحتلال، وما يسببه من كوارث إنسانية، التي يتعرض إليها شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وعمل بقراره المستقل، الذي لا ينطلق من قواعد الربح والخسارة، التي يدير الآخرون سياساتهم من خلال المصالح الضيقة. من هنا جاءت عمليات الإنزال الجوي للمواد الطبية والاغاثية والحيوية. كما أن هذه الخطوة الاستثنائية فتحت أعين العالم ودولنا العربية والإسلامية على إمكانية المشاركة في تقديم العون، بهدف المساهمة في منع التجويع والتهجير.

ثالثا: صحيح ان ما جرى بالأمس من مشاركة أمريكية في عمليات الإنزال الجوي لم ترتق إلى ما هو مامول من دولة عظمى في الانتصار للحق، والمحافظة على السلم العالمي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي نفس المبادئ التي قامت على أساسها الثورة الأميركية، قبل قرنين ونصف، والتي ترسخت جليا في وثيقة اعلان الاستقلال عام ١٧٧٦، والتي تضمنت «أن كل الناس خلقوا على قدم المساواة، وأن لديهم حقوقه حباهم بها الخالق، لا يجوز التصرف فيها، منها حق الحياة، والحرية، والسعي وراء السعادة».

حيث لا تزال الدولة العظمى تستخدم حق النقض لمنع اي قرار دولي لوقف الحرب على غزة. بل وتحمي الاحتلال، بمنع اي إدانة له، باعتبار ذلك «معاداة للسامية»، ويتعارض مع «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، حتى لو كان ثمن ذلك قتل وجرح مائة ألف فلسطيني، جلهم من النساء والأطفال، ناهيك عن آلاف المفقودين تحت الانقاض، وتدمير البنى التحتية، وتحويل القطاع إلى مقبرة موحشة.

ونأمل ان لا تكون هذه المشاركة الأميركية مناورة إعلامية، وحركة، قد تكون، مدروسة لخدمة أهداف داخلية، ذات طابع انتخابي، خاصة في ظل معارضة واضحة، تتسع يوما بعد يوم للسياسة الأميركية تجاه العدوان الاسرائيلي على غزة والضفة الغربية والقدس، والتي يقودها التيار الشاب في الحزب الديموقراطي، وكذا التجمعات العربية والملونة، ذلت الأصول الاسيوية والافريقية. ولكن مع اهمية هذه الانزالات وضرورتها يجب التأكيد مجدداً على اهمية وضرورة دعم، دور منظمة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) التي قامت الإدارة الأميركية بتجميد مساهمتها في تمويلها، هذه المنظمة التي، ومنذ انشائها بقرار أممي عام ١٩٤٩، تقوم بالإغاثة الاجتماعية والصحية والتعليمية، لما يقارب (٧٠ في المئة) من سكان غزة اللاجئين، إضافة إلى تشغيلهم، وضمان عودتهم. فالأونروا، كانت وستبقى، المؤسسة الاقدر على إدارة هذا الملف الإغاثي والاجتماعي، إضافة إلى رمزيتها السياسية والحقوقية، كونها تمثل هيئة دولية لها ارتباط مباشر بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها.

رابعا: من هنا، نتمنى أن لا تكون هذه الخطوة الأميركية ذرا للرماد في العيون، من أجل إرضاء المعارضة الداخلية. والأهم من كل ذلك، ان الشعب الفلسطيني، بمجمله (وجل الشعوب العربية)، لا تزال تعيش حالة عدم الثقة بالدور الأميركي، الذي عودنا تاريخيا، الانحياز المطلق لدولة الاحتلال، وآخرها المواقف في مجلس الأمن، في منع استصدار قرار لوقف العدوان، ناهيك عن الدعم اللامحدود الذي قدمته الإدارة الأميركية، وبخاصة المساعدات العسكرية من خلال حاملات الطائرات، وسفن الإمداد بالذخائر اللازمة لمواصلة العدوان، إضافة إلى المساعدات الإضافية السخية، منذ بداية الاجتياح الاسرائيلي لغزة، وذلك فوق ما تتقاضاه دولة الاحتلال من مساعدات اقتصادية سنوية تتجاوز الثلاث مليارات دولار.

لكن، وعلى أي حال، واذا ما افترضنا حسن النوايا، فإن مشاركة الإنزال هذه تمثل اعترافا وإقرارا بالوضع الماساوي الذي يعيشه فلسطينيو القطاع، والحاجة الحيوية الى إغاثتهم، منعا للمجاعة الجماعية، التي تمثل وصمة عار على جبين الإنسانية، ليس من السهل «تحملها»، و «هضمها»، فما يزال الغضب يملأ النفوس، والجروح عميقة، والمعاناة لا تتوقف. انه، بالنسبة للكثيرين ك «رش الملح على الجرح»، أو «كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته"!.

فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على كسر الحصار، أكثر من غيرها، لأنها الدولة الأكثر قربا ورعاية للاحتلال الاسرائيلي، والتي تؤمن له الدعم اللامحدود عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وهي التي استخدمت حق النقض ضد جميع مشاريع القرارات التي قدمت في مجلس الأمن لوقف العدوان، وبالتالي، قف جرائم الاحتلال في الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي والتجويع.

وأخيرا، يمكن القول، بأن إصرار الأردن على مواصلة كسر الحصار، وإيصال ما يستطيع من مساعدات إغاثية وطبية وحيوية، إلى الأهل في غزة، والمشاركة المباشرة للملك والأمراء الهاشمييين في هذه العمليات المتواصلة، بوتائر متصاعدة، قد أضحت قدوة للعديد من الدول العربية والأجنبية، للوصول إلى الهدف الرئيس- وهو وقف العدوان أولا، ومن ثم البدء، بما يشبه «مشروع مارشال» للاغاثة والايواء والتعمير، الذي يحتاجه القطاع المنكوب، أسوة بما حصل في أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. والأهم، البدء الفوري في إيجاد الالية العملية لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، من خلال خيار حل الدولتين، الذي ينتهي، وفق برنامج زمني محدد، وصولا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة، تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشريف(على حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧). وإلا، سنبقى نعالج العرض لا المرض، والمتمثل في الاحتلال الاستيطاني- الاحلالي، الذي يتناقض جذريا مع السلام العادل والدائم والشامل–البديل لدوامة العنف والحروب والدماء التي لاتنتهي..

أما الولايات المتحدة، فلا تزال قادرة (ان أرادت)، ان تقلب الطاولة في وجه نتانياهو، وتتخذ قرارات تاريخية تغير وجه المنطقة، وتعيد لقيمها ومبادئها، التي قامت عليها الثورة الأميركية، القها وجاذبيتها لشعوب المنطقة والعالم.. فهل هم فاعلون؟!. ــ الراي

مواضيع قد تهمك