الأخبار

د . احمد يعقوب المجدوبة : ضميرُ الغائب.. والضّمير الغائب!

د . احمد يعقوب المجدوبة : ضميرُ الغائب.. والضّمير الغائب!
أخبارنا :  

في خطابنا العام، رسمياً وإعلامياً واجتماعياً، يلاحِظ المرء المبالغة في التركيز على الغير، ونسيان أو تناسي الذات، عند الحديث عن السلبيات.

العلّة تكمن في الآخرين!! هكذا ببساطة وبدم بارد.

من وجهة نظر غالبية، إن لم نقل كلّ، من يتحدثون في الشأن العام في مجتمعنا، العيوب موجودة عند غيرهم.

مجتمعنا متأخّر لأن "الناس" لا يقومون بعمل المطلوب، لأنّ الآخرين غير أكفياء، أو غير مكترثين؛ أو لأنّهم مترهّلون أو أنانيون أو فاسدون.

والغير هنا تعني، إما المؤسسات أو الأفراد من خارج دوائرنا الخاصة؛ ومن خارج ذواتنا.

أما "أنا" أو "نحن" فخارج المعادلة! فسببُ البلاء هو وهي وهم؛ وأنت وأنتما وأنتم وأنتن، وليس أنا أو نحن. وحتى عندنا نتحدث عن "نحن" في السياقات السلبية، كأن نقول "نحن العرب ..."، فنقصد بذلك "الآخرين". دوماً صفة الغائب أو المُخاطَب، لكن ليس صفة المتكلم.

ظاهرة متفشية تصل حدّ السوداوية والسّادية والمرض.

الأصل أن يبدأ الإنسان بنفسه؛ أن يتحدّث الفرد عن دوره. الأصل أن يحاكم المرء ذاته، والأصل الاعتماد على الذات؛ ولوم الذات عندما نفشل، حتى نُقيّم الأمور بدقة ونعالج الإشكالات والإخفاقات.

لكن مثل هذا المبدأ شبه غائب.

ولمَ لا؟ مريحٌ للفرد رؤية العلل في الآخرين، فالإزاحة أو الإسقاط هما الأساس. وهذا ما أشار إليه فرويد كحالة نفسية مرضية.

هذا الأمر بحدّ ذاته إشكالي لأبعد الحدود.

لكنّ الإشكال الأكبر، نتيجة لهذا النمط من الثقافة السلبية المستفحلة، يتثمل في غياب أو تغييب ضمير الفرد.

كيف يصبح حال المرء، وحال مجتمعه، عند غياب الضمير؟

الضمير في الظروف الصحيّة الطبيعية هو ضابط الإيقاع الأكبر والرادع الأهم ومحرك التغيير؛ وانعكاسات غياب الضمير لها آثار كارثية على حياتنا.

عدة أمثلة ملموسة محسوسة، يغيب الضمير فيها، نجدها مُتجسّدة في الإشكالات الكبرى في مجتمعنا، والتي تُرحّل من سنة لأخرى ومن جيل لجيل.

خذ الحالة المرورية.

المخالفات التي نشهدها في طرقنا وشوارعنا، والحوادث الكارثية التي تنجم عنها، هي نتيجة عدم اكتراث وتهور "الغير"، لا عدم اكتراثنا وتهورنا "نحن"!!

وهنالك الحالة البيئية.

القمامة في الشوارع والساحات والمتنزهات والمواقع الأثرية تحدث بفعل الآخرين. ماذا عن أفعالي أنا، وماذا عن أفعالنا نحن؟؟

وماذا عن الكذب والنّفاق والرياء والواسطة والمحسوبية والغش في الامتحانات؟ ماذا عن الغِلظة والفظاظة والعدوانية والقدح والذم وتحريف الحقائق والخروج عن الأعراف والتقاليد الحميدة؟

ماذا عن هدر المياه والطاقة والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة والأحراش والغابات؟

ماذا عن الفساد؟

كل هذه الحالات يمارسها الفرد، لكنه يتنصّل من تبعاتها ويلقي باللائمة فيها على الآخرين.

وبعد، فلن يتطور مجتمعنا ويتقدم إذا بقي هذا النمط من التفكير مُسيطراً، وإذا بقينا نتحدث مستخدمين صيغتي الضمير الغائب والمُخاطَب، ونُخرِجُ ضميرَ المتكلم من الصورة؛ وإذا بقينا نتحدّث ونمارس الممارسات دون الاحتكام إلى الضمير، ودون التركيز على الذات والاعتماد عليها.

وصدق رسولنا الكريم عندما قال: "كُلّكم راعٍ وكُلّكم مسؤول عن رعيّته".

نعم، الكل مسؤول، لا البعض أو الغير فقط! ــ الراي

مواضيع قد تهمك