د. ميسون تليلان السليم : الدبلوماسية والسياسة الخارجية.. أداة فاعلة لضمان أمن الأردن واستقراره

في عالم سريع التحولات، حيث تتشابك المصالح وتتداخل القضايا، تصبح الدبلوماسية فناً يتجاوز البروتوكولات ليشكل سلاحاً حقيقياً يضمن الأمن ويصنع التغيير. في هذا الإطار يظهر الأردن كدولة تمتلك من الحكمة والمرونة ما يؤهلها لتكون عنصرًا فاعلًا في المشهد السياسي العالمي مستندة إلى رؤية ملكية تستند إلى الثوابت دون أن تغفل متطلبات الواقع المتغير.
الدبلوماسية الأردنية لم تكن يومًا مجرد ردود أفعال سريعة، بل كانت دائمًا خطوات استباقية مدروسة قائمة على فهم عميق للواقع الدولي وتفاعل ذكي مع التحديات، ليس فقط للحفاظ على الاستقرار، بل سعيا لتوجيه التغيير والاستفادة من الفرص. حين يتحدث الأردن، فهو لا يطرح مواقف جامدة، بل يقدم حلولًا وسطية تحظى باحترام الجميع ويعيد صياغة الأولويات بما يحقق المصالح الوطنية دون الاصطدام مع القوى الكبرى.
في 11 فبراير 2025، قام جلالة الملك عبدالله الثاني بزيارة إلى واشنطن، حيث التقى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض. وخلال اللقاء، أكد جلالته أهمية تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة من خلال حل الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما شدد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
ظهرت قوة الأردن الدبلوماسية وعراقة سياسته الخارجية جلية عندما عقد جلالة الملك بعد لقائه بالرئيس الأميركي اجتماعات مكثفة مع مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، في الكونغرس مع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور جون ثون، وزعيم الأقلية السيناتور تشاك شومر، وأعضاء بارزين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بحيث تكون وجهة نظر الأردن واضحة في مراكز صنع القرار، كما أبرزت هذه اللقاءات دور الأردن المحوري كشريك فاعل في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون في قضايا الاقتصاد والطاقة والأمن. وفي 24 فبراير 2025، أجرى جلالة الملك اتصالًا هاتفيًا مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، براين ماست، حيث تم التأكيد على العلاقات التاريخية بين البلدين، وضرورة دعم الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق السلام والاستقرار.
وتوجت هذه القوة الدبلوماسية أخيرا بزيارة وفد رسمي من واشنطن للأردن عقب عودة جلالة الملك ضم أعضاء من الكونغرس ومستشارين في مجالات الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد عقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين لبحث تنفيذ مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال الزيارة الملكية، ومتابعة المشاريع التنموية والاستثمارية المشتركة، إضافة إلى مناقشة مستجدات الوضع الإقليمي والتحديات الأمنية في الشرق الأوسط. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية فقط، بل حملت دلالات واضحة على مدى اهتمام الولايات المتحدة بدور الأردن الاستراتيجي، حيث لمس المسؤولون الأميركيون عن قرب الجهود الأردنية في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو ما يعزز من أهمية هذه الشراكة في مواجهة التحديات المشتركة.
وكما قال جلالة الملك في أحد لقاءاته: «لا يمكن لأي دولة أن تحقق الاستقرار بمعزل عن محيطها، فالأمن والتنمية صنوان لا يفترقان». هذه الرؤية تعكس إدراك القيادة الأردنية لأهمية التكامل الإقليمي والتعاون الدولي كأساس لحلول مستدامة تتجاوز الأزمات المؤقتة.
رغم حجمه الصغير، إلا أن الأردن يملك ثقله السياسي، لا من خلال فرض النفوذ، بل عبر بناء شبكة من العلاقات الدولية تقوم على الثقة والاحترام المتبادل وتؤهله للوصول لمراكز صنع القرار في الدول الكبرى. بينما تحاول بعض الدول الحفاظ على تحالفاتها بصعوبة، استطاع الأردن تعزيز موقعه كشريك موثوق، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، مما جعله طرفًا رئيسيًا في ملفات المنطقة المصيرية والكثير من الملفات الدولية.
الدبلوماسية الناجحة تتعدى الشعارات الرنانة وردود الأفعال الانفعالية لمسؤولية كبيرة تتمثل بالحفاظ على أمن واستقرار وحياة الملايين من الشعب وضمان بيئة مستقرة مناسبة للازدهار والتنمية.
العالم اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، لكنه أيضًا مليء بالفرص لمن يمتلك الجرأة لاستثمارها. والأردن، بقيادته التي تجمع بين الرؤية والواقعية، لا ينتظر أن تتشكل الأحداث من حوله، بل يشارك في صناعتها، مستمرًا في تكريس موقعه كركيزة أساسية في معادلة الاستقرار الإقليمي والدولي. ــ الراي