الأخبار

سوق الطفيلة القديم.. عبق التاريخ وقصة الأجداد

سوق الطفيلة القديم.. عبق التاريخ وقصة الأجداد
أخبارنا :  

ما تزال افنية سوق الطفيلة القديم الذي بني قبل نحو مئة عام وسط مدينة الطفيلة، تحكي قصص الدكاكين القديمة والسلع والمنتجات المحلية المعروضة والتي ارتبطت بحياة الناس وطبيعة معيشتهم اليومية في الماضي، فيما كان لشهر رمضان المبارك في ذلك السوق نكهة تحمل في طياتها معاني التكافل الاجتماعي والشعور مع المحتاجين.
ويؤكد الباحث و الاديب سليمان القوابعة ان المتجول في سوق الطفيلة القديم يشتم فيه عبق التاريخ القديم بكل روائحه الزكية لتعود به الذكريات لأيام وسنين خلت لم يكن يعرف الناس فيها التزاحم والتنافس على مصادر الرزق، حيث كانوا يعيشون ضمن طبقة اقتصادية واحدة في إطار من التكافل والتعاون والرحمة فيما بينهم خاصة في شهر رمضان الفضيل، حيث الكل تقريبا ضمن بوتقة معيشية متجانسة.
الآن لم يتبق في سوق الطفيلة القديم سوى بضعة تجار يستذكرون قصص الأجداد الذين ارتادوا جنبات هذا السوق أو عملوا فيه، منهم من قضى نحبه، وقلة منهم بلغ التسعين، فيما قناطره وواجهاته المتصدعة تستغيث شوقا لإحيائها بعدما صدعتها عوامل الطبيعة فهجره التجار.
واضاف القوابعة، سوق الطفيلة التجاري القديم شكل عبر التاريخ الأردني مركزا تجاريا يحتضن المحلات التجارية التي بنيت من القصب والطين إلى جانب دوره الاجتماعي والإخباري الهام، حيث وجد فيه الأجداد ملتقى يجدون من خلاله الأخبار في زمن لم يكن فيه لوسائل الإعلام ظهور بين عامة الناس.
وفي ساحات السوق التي تعبق برائحة البخور والبهارات ما تزال القناطر القديمة تحكي قصص الأجداد الذين وطئت أقدامهم عتباته للتسوق دون تزاحم أو تنافس، حيث السلع المعروضة ترتبط بحياة الناس وطبيعة عملهم الزراعي، مثل مناجل الحصاد وآليات نقل المحاصيل الحقلية الى جانب المواد التموينية، من سكر وشاي وقطين وغيرها من السلع الشائعة في ذلك الزمان.
ولفت الى أن سوق الطفيلة القديم لم يكن سوقا تجاريا فحسب بل كان منتدى تعقد فيه الاجتماعات وتبحث فيه أمور الزراعة والموسم "الوسم" كما كان يطلق عليه وتناقش فيه القضايا الاجتماعية المختلفة وأخبار البلدة عموما.
واضاف، ان كل من كان يريد معرفة مستجدات الامور وآخر الاخبار لا بد له من الذهاب الى السوق، حيث يجلس الرجال متحلقين، فيما ترى آخرين على جنبات الطريق الوحيد الذي يخترق السوق ليدلي كلاً بدلوه، خصوصا كبار السن، الذين يستأثرون عادة بإدارة دفة الحديث وتعتبر مزاحمتهم بالكلام والتسبيق عليهم به عيبا في العرف الاجتماعي السائد في ذلك الوقت فيما آخرون يتسلون بلعبة "السيجة" الى أن يحين وقت اذان المغرب حيث الذهاب إلى منازلهم للإفطار الذي كان يعد مما جنوه من محاصيل، او يذهبوا الى جامع النشاش وهو الأقدم في المنطقة، ومع انتهاء الصلاة يعود الجميع الى منازلهم حاملين معهم ما قايضوا به مما لديهم من حبوب أو سمن بلدي أو لبن "الجميد" أو بيض لأنك قلما تجد نقودا في جيب أحدهم.
واضاف القوابعة، ان الطريق الذي يخترق السوق كان يضاء (باللوكسات) التي تعمل على الكاز وفي المنازل كان السراج هو الوسيلة الوحيدة للإضاءة ويستخدم فيه زيت الزيتون، مشيرا الى مكان فوق حائط قديم مكتوب عليه "سبيل ماء لله تعالى" ويؤكد أن جرة فخارية كانت ملصقة على الجدار لسقاية المارة في السوق وكانت تعبأ بواسطة "القرب" من عيون ماء "شلحا والجهير".
وأشار كل من جمال عمرو وحاتم الزغاليل واحمد الغبابشة وهم من أبناء بعض التجار الذين مارسوا التجارة في هذا السوق ان السوق حاليا هو شبه "مهجور" وسط مطالبات باحيائه والمحافظة على هذا الإرث التاريخي العريق حيث انتقل معظم التجار الى السوق الجديد وسط مدينة الطفيلة حيث المحلات مشمولة بكافة الخدمات وقريبة من الحراك التجاري.
وطالب هؤلاء وزارة السياحة والآثار والجهات المعنية بإحياء السوق القديم ومرافقه، للمساهمة في إنعاش الواقع السياحي وإيجاد فرص عمل للباحثين عن العمل .
وبينوا أن سوق الطفيلة القديم الذي يعاني من التصدعات والتشققات يعتبر من أقدم الأسواق التجارية في الطفيلة ، فيما يحتاج إلى خطة تطويرية وإعادة تأهيل لجدرانه لتشجيع التجار للبقاء في محلاتهم بعد أن هجره العديد منهم مع العمل على أحياء الحرف اليدوية التي كانت في هذا السوق ، مثلما المطالبة بالمحافظة على المهن الحرفية واليدوية والطابع التراثي القديم وسط مدينة الطفيلة ، فضلا عن أهمية إيجاد مناخ استثماري ونقطة جذب سياحية لهذا السوق التاريخي النافذ بطريقه باتجاه قلعة الطفيلة التاريخية .
وأكدوا اهمية المحافظة على المباني التراثية في السوق الذي ما يزال يشهد حراكا تجاريا بمحلاته التجارية التي تناقلها الابناء عن أجدادهم، ويأملون ان تعاد الواجهات الامامية لهذا السوق كسابق عصرها لتضفي جمالا على احد المعالم التاريخية وسط مدينة الطفيلة .
ووفق مصدر مسؤول بوزارة السياحية فإنه تم إدراج سوق الطفيلة القديم ضمن خطط التطوير السياحي إذ سيتم تطوير شارعين يعتبران من أقدم شوارع الطفيلة، أحدهما الشارع الذي سيطلق عليه اسم الشارع التراثي، ويقع بشكل مجاور للقلعة، والآخر الذي يخترق سوق الطفيلة القديم والذي يوصل إلى قلعة الطفيلة.
وبين أن خطة التطوير ستوفر مناخا استثماريا سياحيا في المنطقة وينعش الحياة الاقتصادية فيها عدا عن شمول منطقة القلعة وشارع السوق القديم بالتبليط وإيجاد سلالم وأدراج، وإعادة بناء الواجهات القديمة للمباني الحالية على الطراز المعماري القديم للحافظ على الجمال التراثي لها ونشر لوحات تحمل معلومات تعريفية عن تاريخ المنطقة.
وخلال زيارة وزير السياحة الأسبق مكرم القيسي إلى الطفيلة قبل عامين ، أكد إهتمام وزارة السياحة بالمباني التراثية حيث سيتم ترميم سرايا الطفيلة وربطها بمشروع تطوير وسط مدينة الطفيلة والسوق القديم والقلعة إلى جانب تنفيذ مشروع ترميم خربة الضريح، كما جرى شمول قرية السلع الأثرية بمشروعات ترميم وإقامة شاليهات متميزة ، مثلما سيتم وضع وجهات اكثر لمحافظة الطفيلة ضمن برنامج أردنا جنة.
--(بترا)

مواضيع قد تهمك