حسين بني هاني : ملامح شرخ سياسي بين ضفتي الأطلسي

بدت روسيا وكأنها أول وأكثر المستفيدين من مشهد الخصام، الذي وقع في البيت الأبيض، بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني، وأظن أن بوتين بات في ظلّه مستعد الآن ، لمنح ترامب كل ما من شأنه ، أن يعزز ويوسع من شقة الخلاف، بين واشنطن والقارة الأوروبية العجوز .
ما حدث في البيت الأبيض، سجّل سابقة في العلاقات الدولية ،خاصة بين دول الغرب ، لن يقتصر اثرها على اوكرانيا فحسب، وإنما على منظومة العلاقات الامريكية الاوروبية عموما، خاصة بعد موجة تضامن واسعة لقادة اوروبا مع الرئيس الاوكراني، تلك مسألة لن يمرّ عليها البيت الأبيض مرور الكرام ، قادة اوروبا الذين التأم شملهم في لندن يوم الاحد ، بدعوة من رئيس وزراء بريطانيا ، لن يكون من السهل عليهم مناكفة ترامب، رغم دعمهم الكبير للرئيس الاوكراني، مفارقة سياسية ملفتة تلك التي حدثت في البيت الأبيض ، لم يحدث مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، سيكون لها مابعدها ، إذ تخشى أوروبا بموجبها ، أن يكون هدف ترامب في عرضه الأخير هذا ، زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه سبق له أن وصف هذا الاتحاد في ولايته الأولى، بانه انشئ " لإلحاق الاذى بالولايات المتحدة في مجال التجارة ، بل "من أجل ابتزاز الولايات المتحدة، وهذا هو الغرض منه " كما قال ، قادة أوروبا الذين اخذوا يتقاطرون واحدا تلو الآخر لزيارة واشنطن، لحث ترامب على الالتزام بعلاقات واشنطن التاريخية مع حلفائها الأوروبيين، يدل على اكتشاف معظمهم مبكراً ، عدم اكتراث ترامب كثيراً بمصير اوروبا ومستقبلها ، وتعكس قناعة لديهم بأن السياسة الأمريكية ، في ظل الإدارة الجديدة باتت تشهد انقلاباً واضحاً تجاههم، خاصة في ظل دعم ترامب للأحزاب اليمينية الاوروبية، والتي دأبت على انتقاد سياسات الحكومات الاوروبية القائمة والقديمة ، وأخذت تنظر بإعتدال نسبي نحو روسيا، بعد أن أصبح تمكين اليمين المتطرف، في اوروبا بمثابة امر اساسي بالنسبة للرئيس ترامب، لاضعاف الاتحاد الاوروبي. وهذا ما جعل صحيفة لوموند الفرنسية ، تتساءل في ظل ما حدث في البيت الأبيض ، ماإذا كان وصف الحلفاء بين ضفتي الأطلسي، بعد ما حصل مع الرئيس الاوكراني مازال قائما.وجعل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، اكثر تشاؤما عندما قال " ترامب لم يعد حليفا للأوروبيين، ونحن امام شرخ عميق " .
الحماية المجّانية ،التي نعِمت بها القارة الأوروبية لمدة ثمانية عقود، من جانب واشنطن، باتت امام امتحان صعب ، ويضفي عليها تقارب ترامب مع بوتين اثارة جديدة، وقلق عميق بين دول الناتو .
وحدهم المتفائلون في الغرب هم الذين يمكنهم وصف ما وقع بأنه رياح تغيير لطيفة، ستهدأ بعد تفعيل القنوات الدبلوماسية السرية ، اما المتشائمون فيعتبرونها عواصف ضارية ، ستأخذ في طريقها كل ما بناه الغرب عبر عقود طويلة ، بعد أن شاهدوا هجوم ترامب الصاعق، على مكونات الدولة الامريكية العميقة ، في قلب الولايات المتحدة نفسها ، ميول ترامب لاعادة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ، زرع الهلع بين قادة اوروبا، خاصة بعد أن أوضح وزير الدفاع الأمريكي، بان ادارة ترامب تريد تخفيض ميزانية الدفاع بنسبة خمسين بالمئة ، وهو ما يعني انكفاء واشنطن، في وقت تعاني فيه القارة الأوروبية ، تحديات سياسية كبيرة ، وعجزا عسكرياً واستبعاداً من المحادثات التي تجريها واشنطن مع موسكو ، حول مستقبل اوكرانيا .
هي صحوة أمريكية ، ربما تكون متأخرة نسبياً ، على كلفة التحالف التاريخي هذا مع اوروبا، يبدو أن ترامب عازم على وضع حدٍ لها اليوم قبل الغد، مهما بلغت كلفتها السياسية ، وأظن أن أحدا لن يوقفها ، مالم تبادر القارة العجوز ، باجتراح حلول ترضي ادارة واشنطن الجديدة.