الأخبار

حسام الحوراني : السياسة في عصر الإعلام الجديد: بين الشفافية وتأثير الخوارزميات

حسام الحوراني : السياسة في عصر الإعلام الجديد: بين الشفافية وتأثير الخوارزميات
أخبارنا :  

في عالم تحكمه البيانات وتعيد تشكيله الخوارزميات، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح قوة جبارة تؤثر في السياسات وتصوغ توجهات المجتمعات. تحول الإعلام الجديد من كونه منصة للحوار المفتوح إلى ساحة معقدة تتداخل فيها التقنية مع السياسة، حيث تحدد الخوارزميات ما نراه، وما نفكر فيه، بل وأحيانًا حتى ما نصوّت له. لم يعد المشهد السياسي كما كان، بل أصبح معادلة دقيقة تتطلب فهماً عميقاً لآليات الشفافية وتأثير الخوارزميات، حيث لم يعد بإمكان القادة وصنّاع القرار الوقوف على الهامش أمام هذه التحولات الجذرية.
الخوارزميات، تلك المعادلات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، أصبحت الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي الحديث. فهي التي تقرر ما يظهر على شاشاتنا، وهي التي تحدد أولويات الأخبار والمحتوى بناءً على أنماط تفاعلنا الرقمي. قد تبدو هذه القوة حيادية، لكنها في الواقع تُعيد تشكيل وعينا بطرق خفية. فكل «إعجاب» أو «تعليق» أو «مشاركة» يترك بصمة في هذه الأنظمة، مما يؤدي إلى إنشاء «غرف الصدى» حيث يتعرض الأفراد فقط للأفكار التي تعزز معتقداتهم، بينما يتم تهميش الآراء المخالفة. هذه الظاهرة تعمّق الانقسامات الاجتماعية والسياسية وتجعل من الصعب تحقيق نقاش متوازن وبنّاء بين مختلف الفئات.
السياسة في عصر الإعلام الجديد لم تعد مجرد تنافس على السلطة، بل تحولت إلى سباق للسيطرة على العقول. الخوارزميات تمنح السياسيين أدوات غير مسبوقة للوصول إلى الناخبين، لكنها تفرض أيضاً مسؤوليات أخلاقية جسيمة. فكيف يمكن استخدام هذه الأدوات بشكل مسؤول دون التلاعب بالرأي العام أو نشر المعلومات المضللة؟ كيف نضمن أن تكون هذه التقنيات في خدمة الديمقراطية وليس أداة لتقويضها؟ الإجابة تكمن في الشفافية.
الشفافية لم تعد مجرد شعار، بل أصبحت ركيزة أساسية في السياسة الحديثة. يجب على السياسيين اعتماد ممارسات واضحة توضح كيفية استخدام البيانات وتأثير الخوارزميات على القرارات السياسية. ينبغي أن تكون هناك قوانين صارمة تمنح المواطنين في جميع بلدان العالم حق معرفة كيفية تشكيل المعلومات التي تصل إليهم ومن المسؤول عن توجيهها. كما يجب أن تتحمل شركات التكنولوجيا العملاقة مسؤولية تقديم آليات لمراقبة تأثير خوارزمياتها وضمان تصحيح أي انحرافات قد تؤثر على نزاهة النقاش العام.
لكن السياسة في عصر الإعلام الجديد لا تقتصر على التحديات، بل تحمل فرصًا هائلة أيضًا. فالخوارزميات، إذا ما استُخدمت بحكمة، يمكن أن تساعد في فهم احتياجات المواطنين بشكل أفضل، وصياغة سياسات أكثر فاعلية، وتقديم حلول مبتكرة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية. يمكن لهذه التقنيات أن تكون جسراً لتعزيز المشاركة المدنية، وبناء الثقة بين القادة والشعوب، وتحقيق شفافية غير مسبوقة في عمليات صنع القرار.
يتطلب هذا العصر شجاعة ورؤية استراتيجية. السياسيون الذين يدركون تأثير الإعلام الجديد وقوة الخوارزميات سيكونون هم من يرسمون ملامح المستقبل. التحدي الحقيقي لا يكمن في مقاومة التكنولوجيا، بل في توظيفها بحكمة وعدالة لتحقيق المصلحة العامة. السياسة في عصر الإعلام الجديد ليست مجرد مواجهة بين القديم والجديد، بل هي فرصة لإعادة تعريف المبادئ السياسية والارتقاء بأساليب الحكم لتحقيق العدالة الاجتماعية وخلق حلول مستدامة لتحديات المجتمعات في مختلف أنحاء العالم.
إنها ليست مجرد ثورة رقمية، بل ثورة فكرية تستدعي إعادة النظر في أسس الديمقراطية وكيفية إدارة المجتمعات في ظل عالم متغير، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا أساسيًا في صنع القرار. فإما أن نُحسن استخدامه لبناء مستقبل أكثر عدالة، أو نتركه ليشكل واقعًا بعيدًا عن القيم التي نطمح إليها.

مواضيع قد تهمك