د. دهمة الحجايا : خمسة وعشرون عامًا في مواجهة التشكيك

منذ أكثر من ربع قرن، وقف الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين موقفًا استراتيجيًا ثابتًا تجاه القضايا المصيرية لا سيما قضية الأشقاء الفلسطينيين وحقوقهم العادلة.
فاليوم وبعد مرور خمسة وعشرون عامًا تُثبت الأحداث أن الموقف الرسمي الذي عبّرعنه جلالة الملك كان واضحًا وصادقًا، بينما سقطت حملات التشكيك والتضليل في فخ التناقض والتراجع، كما حدث مع تقارير "رويترز" الأخيرة التي نشرت أخبارًا مُضللة ثم تراجعت عنها، لتكشف بذلك عن جزء من شبكة أوسع تستهدف زعزعة الثقة بين القيادة والشارع الأردني. ما يميز الموقف الأردني الرسمي، برعاية جلالة الملك المباشرة هو التزامه بمبادئ واضحة لا تتزحزح ، بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ورفض التهجيرالقسري والحفاظ على الهوية الوطنية في مواجهة مشاريع التوطين. هذا الموقف لم يكن ردة فعل عابرة، بل هو جزء من رؤية متكاملة تعكس عمق الإدراك التاريخي للمخاطر المحيطة.
فمنذ تسلُّم جلالة الملك مقاليد الحكم ظل الخطاب السياسي الأردني متسقًا مع المبادئ التي أُسست عليها الدولة مما يجعل محاولات تشويهه ضربًا من العبث.
حيث لم تكن الحادثة الأخيرة لوكالة "رويترز" سوى حلقة في سلسلة حروب الجيل الخامس التي تشنها جهات خارجية وداخلية لاختراق الوعي الجمعي الأردني ، فالنشر الاستباقي للمعلومات غير الموثوقة ثم التراجع عنها تحت الضغط يكشف محاولاتٍ ممنهجة لخلق حالة من الفوضى الإعلامية وإلهاء الرأي العام عن الثوابت الوطنية.
فالحروب اليوم لم تعد تخاض بالدبابات والطائرات فقط بل بالبيانات المضللة، والصور المفبركة وحسابات التواصل الاجتماعي الوهمية. حيث تُعد حملات التشكيك التي تتعرض لها الأردن نموذجًا لهذه الحرب غير التقليدية، التي تستهدف العقول قبل الأرض.
فـ"المانشيتات الإعلامية" المدفوعة ليست سوى أدوات لخلق واقع موازٍ يسعى إلى تحويل الثوابت إلى نقاط جدال والرمزيات الوطنية إلى شبهات. وهنا يظهر التحدي الأكبر: كيف يحافظ المجتمع على مناعته الفكرية في عصر تتدفق فيه المعلومات كالسيل؟
وفي خضم هذه العواصف، يبرز واجبان
الأول دعم الموقف الرسمي دون تردد، لأنه يمثل حائط الصد الأول عن مصالح الأردن العليا. والثاني، مواجهة حملات التضليل بوعي جماعي عبر تفكيك خطابها المزدوج، وكشف تناقضاتها كما حدث مع منشورات "رويترز". فليس المطلوب اعتذارًا من أولئك الذين يطلقون الشائعات، بل المطلوب وعيٌ شعبي يُفرِّق بين الحقائق المزيفة والثوابت الراسخة، ويُدرك أن الانخراط في السجالات الجانبية لا يخدم إلا أجندة الأعداء.
فمثل هذه الحملات لا تستهدف الملك فحسب بل الوطن ككل، من خلال السعي لتفكيك وحدة الصف الداخلي وزرع بذور الشك في رؤية القيادة الاستراتيجية التي حمت الأردن من أن يكون ساحة لتصفية القضية الفلسطينية.
خمسة وعشرون عامًا من الثبات الملكي رسخت حقيقةً لا تقبل الجدل: الأردن بقيادته وشعبه واعٍ لأساليب اللعبة الدولية، وقادر على حماية قراره المستقل. فكما فشلت محاولات اختراقه عسكريًا في الماضي، ستفشل اليوم محاولات اختراقه فكريًا وإعلاميًا. الوحدة الوطنية، والإيمان برؤية القيادة، والتمسك بالثوابت، هي الأسلحة الحقيقية في مواجهة حروب التشكيك. لأن الوطن، في النهاية، ليس أرضًا فحسب، بل قصة إصرار يُروى جيلًا بعد جيل.