الأخبار

سامح المحاريق : المساعدات الأميركية والخروج الآمن من التكلفة السياسية

سامح المحاريق : المساعدات الأميركية والخروج الآمن من التكلفة السياسية
أخبارنا :  

المساعدات الأميركية والخروج الآمن من التكلفة السياسية!

أتت المساعدات الاقتصادية للأردن في المرتبة الأولى نتيجة الآثار الجيوسياسية التي تعرض لها على مدى عقود من الزمن، وبكثير من الصراحة، فإن الأردن خارج السياقات السياسية الإقليمية يفترض أن يكون دولة تعدادها في حدود أربعة ملايين نسمة على أبعد تقدير، وغير مضطرة لإنفاق عسكري واجتماعي ضمن نسب مرتفعة بجميع المقاييس العالمية، وكان على الدول التي تصنع المشكلات في الإقليم أو تديرها أن تقوم بالعمل على تقديم المساعدات للدول المتضررة.

المساعدات ليست عيبًا، الدول الأوروبية تلقت مساعدات في مرحلة ما من تاريخها، والشقيقة مصر، على الرغم من مواردها الهائلة تمتعت لسنوات بازدواجية المساعدات من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة معًا، وعندما نتحدث عن سوريا، وكثيرون يسوقون أسطورة المديونية الصفرية نجدها تلقت مساعدات سوفيتية ولاحقًا روسية وإيرانية، وخلال ذلك، خليجية، لعقود من الزمن.

الأزمة في المساعدات أن هياكل اقتصادية كاملة جرى تصميمها على أساس ديمومة تدفقها، وكان يجري تصميم الحلول على أساسها، ففي مرحلة ما من تاريخ التطور الاجتماعي كان الأردنيون من أكثر الشعوب العربية إنتاجية لأنهم يمتلكون القليل من الموارد، ثم خرج العفريت مع المصباح مع ديوان الخدمة المدنية، ليحدث انقلاب ثقافي لمصلحة البيروقراطية في هوامشها الآمنة، فأصبحت الوظيفة الحكومية بمثابة بوليصة تأمين مستقبل مستقر للأفراد، والمطلوب هو اختراع بعض المهام الجديدة لاستيعاب الموظفين، وجاءت الخصخصة لتمنح القطاع الخاص أفقًا جديدًا وبدأت تتغير نوعية الوظائف، ولكن الإقبال المتزايد مدفوعًا بالزيادة السكانية الطبيعية وغير الطبيعية، أدى إلى اضطراب في المعادلة وصولًا إلى تعطل بعض مدخلاتها وتعويض الخلل بالمديونية التي أصبحت عبئًا ثقيلًا على الجميع.

توجد مشكلتان أساسيتان في طلب الرئيس الأميركي استقبال اللاجئين من قطاع غزة في الأردن، الأولى، هي أن غزة في حربها تحولت لخط الدفاع المتقدم ضد المطامع التوسعية الإسرائيلية التي يبدو أنها نقلت للرئيس الأميركي قبل أن يحضر في البيت الأبيض لينقل شكوى اليمين الإسرائيلي من حصتهم الصغيرة في المنطقة، وبالتالي، فتثبيت الفلسطينيين في أراضيهم أولوية وطنية وقومية يفترض أن يكون الأردن في صدارتها.

المشكلة الثانية تتمثل في قدرة الأردن على استيعاب السكان أساسًا، وكثير منهم سيأتون في فئات غير منتجة، وحتى الفئة المنتجة فهي ستتصادم مع واقع بطالة مرتفع وبين الأعلى في العالم، وبذلك، فإن ترامب يبدو عاجزًا عن تفهم التفاصيل، وينظر إلى الخرائط وكأنها مجرد مساحات افتراضية.

تمكن الملك من إجراء خطوة مهمة للغاية، وعندما نقول الملك، فإن خطوة اتفاقية الشراكة الأوروبية، كانت ثمرة لتحول رئيسي تجاه الأوروبيين استدعى الكثير من العمل الدبلوماسي خلال العقد الأخير، وكانت بدايته التوجه من جانب الملك لوضع البدائل لاحتمالية حدوث اي طارىء في المساعدات الأميركية، وتراجع المساعدات العربية، وظهرت جدواه إلى حد كبير، مع تحشيد تمويل للأونروا التي تحول تقويضها لهدف أميركي مع النسخة الأولى من صفقة القرن، وكان المطلوب هو حديث استراتيجي خارج التفاصيل مع القيادات الأوروبية المؤثرة العابرة للتحولات السياسية بين اليمين واليسار في أوروبا.

توقيت توقيع الاتفاقية أشاع شيئاً من الطمأنينة في الأردن، لتزامنه مع التضييق الأميركي، وكانت رسالة الملك ببناء استاد رياضي تدلل أن الحياة ستمضي في سياقها الطبيعي، لتكون رسالة إضافية لتحقيق الغاية ذاتها، ولكن الوضعية النهائية هي سياسية قصيرة المدى للحصول على هامش دبلوماسي للتحرك، بمعنى أن الجهود الملكية أبعدت الكرة الملتهبة عن خيارات الحكومة والدولة لبعض الوقت، ويبقى السؤال، ما هو الحل المستدام لتخفيف الاعتماد على المساعدات، وما هي المدرسة السياسية التي يجب أن يؤسسها الأردن ليخفف من تأثيرات الأوضاع الإقليمية.

بغض النظر عن الحديث عن الاستثمار، وهو ملف يجب مراجعته بالكامل، حيث أن كثيرًا من الاستثمارات تؤدي إلى خروج الأموال من الأردن أكثر مما تحققه من تدفقات للاقتصاد الأردني، فإن التحدي الأساسي هو النظر في إنتاجية الاقتصاد الأردني وقدرته على تحقيق القيمة لأن ذلك يرتبط بالعديد من المعادلات الاقتصادية المستقرة لعقود من الزمن، ومنها سعر صرف الدينار الأردني، وهو ما يتطلب محاورة المعضلة القائمة حول بيئة العمل في الأردن وهيكلية السوق المحلي ورفع انتاجية القطاعات ومراجعة التحالفات التجارية.

لا يمكن أن يستمر التفاوت بين الأداء السياسي الخارجي والهيكلة المطلوبة داخليًا، لأن سمعة الأردن بين دول العالم، وتمثيله السياسي، يجب أن يحظى بالمناعة الداخلية القائمة على اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة لا تعطلها ماكينات البيروقراطية القائمة ولا تعطلها التراشقات بين أصحاب المصالح الجزئية.

يؤدي الأردن في سياسته الخارجية حاليًا معتمدًا على الوقت بصورة كبيرة، والمشكلة، أن كثيرًا من الوقت يستنزف داخليًا، وما زلنا نحاول تعريف دور الحكومة، ونتحدث عن المركزية واللا مركزية، ونستغرق في الحديث عن محيطات من النفط والغاز،والغاية ممن يتحدثون عن هذه الأساطير، أن يستبقوا الوضع الذي أدى إلى استعادة صنم ديوان الخدمة وتقديس الوظيفة على حساب العمل.

المساعدات أتت لتعويض الأردن عن مسارات كان عليه أن يعيش على تماس معها، ولكنها استثمرت بشكل أو بآخر في الهندسة الاجتماعية، وهذه الآلية يجب أن تتوقف تجاه إعادة تأسيس اقتصاد إنتاجي حقيقي يرفد القرار السياسي ولا يتحول إلى عبء عليه. ــ الراي

مواضيع قد تهمك