د. ماجد الخواجا : هل من مقارنة ؟
شاهد العالم أجمع عمليات تبادل المعتقلين بين المقاومة الباسلة الصابرة الصامدة وبين الدولة الهيونية التي تزعم أنها راعية حقوق الإنسان في المنطقة، شاهدنا كيف استطاعت المقاومة الاحتفاظ وحماية أرواح المعتقلين لديها طيلة فترة الحرب الطاحنة المدمرة ضد غزّة وأهلها وبنيتها، خرج المعتقلين كأنهم كانوا في بيوتهم أو في رحلةٍ سياحيةٍ عادوا منها بأبهى وأزهى طلة.
الفتيات خرجن من الاعتقال في لباسٍ نظيف ومهندم ومرتب، والشعر مصفف كأنهن أتين من صالون تجميل، وتبدو عليهن الراحة وعدم التعب أو الإرهاق، ويبدو أنهن لم يعانين من الحصول على الطعام الكفي وربما الغني في البروتينات، لم يكن العالم سيستغرب بالمطلق لو أن الفتيات خرجن شعثاً غبراً منهكات وبادٍ التعب والوهن عليهن. وكان سيتفهم أن حصار غزة وطول المدة والدمار الهائل وضرب المدافع والصواريخ والطائرات ،وعدم توافر المواد والسلع الأساسية، كافية أن نتقبل مقتل كافة الأسرى أو إصابتهم بجروح، أو عدم تأمين وتوفير الطعام والعلاج والملابس والماء والنظافة لهن.
شاهدنا نبل المقاومة التي وبعد احتفاظها وحمايتها لبعض الأفراد التايلنديين كيف أفرجت عنهم دون مبادلتهم بأي أسرى فلسطينيين.
في الطرف المقابل، كان الصهيوني يطلب من عائلة الأسير المعتقل عدم إقامة أية احتفالية بإطلاق سراحه، كان المعتقلون في غالبيتهم كأنهم خارجون من منجم فحم تحت الأرض، الهزال يبدو عليهم نتيجة العزلة وقلة الرعاية، عدم توفير أية متطلبات لتوصيل الأسرى لأماكن سكناهم وعائلاتهم. حين تسمع عن مدد الأسرى الذين تجاوز بعضهم عشرات السنين، فيما هناك من هو موقوف وما زال يحاكم ولم تصدر بحقه أي قرار من الجهات التي تدعى بالقضائية. يخرجون منهكين كأنهم للتوّ توقفوا عن عمل مرهقٍ بمظاهر رثّة وملابس بالية مع شعر طويل ولحية كثّة غير منتظمة. هؤلاء الذين يفترض أنهم في عهدة دولة الرعاية والعناية والحرية المزعومة.
هذا العالم لم يعد مكاناً مريحاً للتعامل والتعايش. فالتناقض سمة المرحلة، حين يطلب الرئيس الأمريكي من ملايين المهاجرين بالترحيل لهم من بلاده باعتبارهم غير شرعيين، لكنه في الطرف المقابل، يطلب من العرب استيعاب هجرة أسماها بالطوعية لأهل غزّة كي يتم تفريغ الأرض من أهلها، لم يتورع هنا أن يطلب من أهل الأرض الرحيل عن أرضهم.
وينسى أن جمهور الكيان الصهيوني باكمله عبارة عن مهاجرين غير شرعيين في فلسطين التاريخية، وأنه كان من الأجدى أن يطلب إعادة هؤلاء إلى بلادهم الأوروبية التي جاءوا منها ذات غفلة من الزمن.
إننا في الأردن نقف خلف القيادة في رفض أية مخططات للتهجير لأهلنا في غزّة والضفة المحتلة، والتأكيد على تقوية إرادة وإمكانات الأهل في داخل فلسطين ضفةً وقطاعاً من اجل الصمود والتشبث بالأرض. لقد شاهد العالم كيف عاد أهل شمال القطاع بمئات الآلاف وكأنه يوم الزحف العظيم، عادوا حاملين أوجاعهم وأحلامهم فقط، لا يعلمون ماذا ينتظرهم وماذا سيواجهون عند عودتهم لبيوتٍ تم تدميرها وتسويتها بالأرض. لكنهم قاموا بأعظم مسيرة على الأقدام للعودة ومواصلة الحلم الفلسطيني الطويل الممتد من سبع عقود خلت.
فأي هجرةٍ طوعيةٍ يتحدث عنها ترامب. صامدون باقون ما بقي الزيت والزيتون. ــ الدستور