الأخبار

د. عثمان الطاهات : الذكاء الاصطناعي والأمن القومي للدول

د. عثمان الطاهات : الذكاء الاصطناعي والأمن القومي للدول
أخبارنا :  

في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات التكنولوجية، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم أدوات العصر، التي تحمل في طياتها إمكانيات هائلة لتعزيز قدرات الدول وتحقيق مصالحها، بيد أنه في المقابل يفرض تحديات جمة تتعلق بالأمن القومي فمع تداخل العولمة وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري فهم العلاقة التبادلية بين هذا المجال الحيوي وأمن الدول، من أجل بناء استراتيجيات تضمن حماية الموارد الوطنية، وتجنب الانفلاتات التي قد تؤدي إلى أضرار جسيمة.
يُعرف الأمن القومي بأنه قدرة الدولة على حماية مواردها وأراضيها ومصالحها من التهديدات الخارجية والداخلية، لكن مع تطور العولمة وتغير ملامح التهديدات، أصبحت مفاهيم الأمن أكثر تعقيدًا ومرونة. لم تعد التهديدات مقتصرة على الجانب العسكري فقط، بل توسعت لتشمل الهجمات الإلكترونية، والإرهاب، والتجسس، والتحكم بالبنية التحتية الحيوية، وهو ما أدى إلى ظهور مفهوم جديد هو الأمن السيبراني. إذ يُعدُّ أمن المعلومات والبنى التحتية الرقمية من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الدول في حماية مصالحها، خاصة أن التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي يساهمان في تعزيز أو تهديد أمنها القومي.
تتباين آراء الخبراء حول مدى علاقة الدولة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن الإجماع يتجه نحو أن تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي يعزز من قوة الدولة، بينما انفلاته قد يهدد استقرارها وأمنها. فالدولة، كمؤسسة إدارة، تُعرف بأنها كيان إداري ومعنوي يهدف إلى حماية المجتمع من الاستبداد والأفراد غير المسؤولين، وتسعى لضمان التوازنات الداخلية والخارجية عبر علاقاتها الدولية واعتمادها على مصادر القوة المتنوعة، منها القوة العسكرية، الاقتصادية، والتكنولوجية.
وفي سياق الأمن القومي، يُعدُّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرة عالية على إثراء قدرات الدول في جمع المعلومات وتحليل البيانات، أو قد يكون أداة للتهديد إذا ما أُسيء استخدامها. فالدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، تتصارع فيما بينها على استثمار الذكاء الاصطناعي لتعزيز مكانتها، وتجسيد زعامتها التكنولوجية، وهو ما يعكس أهمية الاطلاع على كيفية استثمار هذا المجال في خدمة الأمن القومي وليس في تهديده.
من أبرز التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مسألة التجسس والتسلل إلى البيانات والمعلومات الحساسة، وهو ما يهدد خصوصيات الأفراد والدول على حد سواء. فمع قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة، تزداد احتمالات استغلالها في عمليات تجسس عابرة للحدود، سواء عبر نشر أدوات استراق أو زرع برامج تجسس متطورة.
كما أن التطور في تكنولوجيا الجيل الخامس للإنترنت، مع قدرته على نقل البيانات بسرعة فائقة، يعزز من قدرات التجسس على الأفراد والدول، ويجعل كشف هذه العمليات أكثر تعقيدًا، خاصة أن المعلومات التي يُزود بها الذكاء الاصطناعي قد تكون مضللة أو غير دقيقة، ما يضيف عنصرًا آخر من عناصر التهديد.
إلى جانب المخاطر الأمنية، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات الأخلاقية، خاصة فيما يتعلق بحماية الخصوصية وحقوق الأفراد. فمع تزايد عمليات جمع البيانات وتحليلها، يصبح من الضروري وضع قواعد أخلاقية وقانونية تُنظم هذا المجال، وتضمن احترام حقوق الإنسان، وتقليل مخاطر الاستغلال أو الاستخدام السلبي.
وبناء على ما سبق تبرز أهمية وضع ميثاق أخلاقي دولي يحدد المبادئ الأساسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ويشجع على التعاون الدولي لضمان عدم استغلال التقنية في أنشطة غير قانونية أو مهددة للأمن، خاصة أن التطور التكنولوجي يهدد بفصل الإنسان تدريجيًا عن علاقاته الاجتماعية، ويجعل من العلاقات بين الأفراد والدول أكثر تعقيدًا.

مواضيع قد تهمك