الأخبار

د محمد العزة يكتب : الإشاعة.. أسلاك شائكة

د محمد العزة يكتب : الإشاعة.. أسلاك شائكة
أخبارنا :  

أستهل هذا المقال بمقولة شهيرة لجوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازية:
«اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. فعندما تتضارب المعلومات، تضيع الحقيقة، ويدخل عقل الإنسان في متاهة من الأوهام والأكاذيب، ليسقط وعيه بعدها في هاوية لا قرار لها.»
في زمن التحولات السريعة وتضخم منصات التواصل، برزت أصوات نشاز من خارج الأردن وأحيانًا من داخله، تنشط على منابر غربية غريبة الهوى والهوية، اعتادت تبنى نهج القصصية والراوية الهجينة، تنسج حبكة حول اخبار محورها شخصيات ومؤسسات أردنية، تداولتها صفحات وسائل الإعلام المحلية والعربية والإقليمية، بكل ما تمليه معايير نقل الخبر من مهنية حرفية واقعية موضوعية رداؤها الشفافية، لتقوم تلك الأصوات مع سبق الاصرار بالتخفي تحت أغطية الورع والحرص الزائفة، وبما تتقنه من خلط انصاف الحقائق أو اقل مع الكثير من الافتراءات والتزوير هادفة المساس بهذا الوطن واركان الدفاع عن ثوابته من سيادة للارض وصونا للعرض.
هذه الأصوات المدفوعة بأجندات لا تضمر خيرًا لهذا الوطن. هدفها واضح: زعزعة الثقة، خلخلة النسيج المجتمعي، ومحاولة تطويق وعي الشارع الأردني بشِباك من الإشاعات، أشبه بأسلاك شائكة تحاصر الفكر وتزرع الشك بين المواطن ودولته، وحتى بين المرء ونفسه.
الشارع الأردني المعروف بعاطفته الجياشة وحرصه على وطنه، مُطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يكون واعيا ومحصنا أمام هذا النوع من الاستهداف، فالإشاعة لم تعد خبرا عابرًا، بل أداة ممنهجة لضرب الاستقرار وزعزعة الثقة بمؤسسات الدولة.
صحيح أننا عانينا سابقًا من ضعف التواصل الرسمي مع الشارع، خاصة فيما يتعلق بشرح وتشريح ما إحاط بعض الملفات اقتصادية واجتماعية تمس حياة المواطن اليومية وظروفه المعيشية، وأدى ذلك الغياب إلى خلق فراغ، استغلّه البعض لبث خطاب عاطفي سطحي مؤدلج، غلّفه بواجهة سياسية، وسعى من خلاله إلى تشكيل وعي زائف قائم على التهييج والتجيش والتضليل لا افهم والتحليل.
لا يمكن إنكار أن غزو هذا النوع من الخطاب، ساعد على نشر ثقافة الاتكال والشك السلبي، وفتح بوابات سهلة تسللت منها تلك الفئة إلى خطابنا العام وشارعنا، وصار البعض يطالب بالتغيير دون أن يشارك، يريد تحقيق الانجاز بالتمني المصحوب بالشكك دون أن يطرح البدائل، وهذا ما أفسح المجال في الكثير من الأحيان لأصحاب المصالح النفعية والوصاية السياسية الدينية والفئوية في توجيه استمزاج مسار القرار، وأضعف فرص صناعة حالة سياسية شعبية ذات ثقافة معرفية عالية قادرة على إفراز مخرجات التمثيل لها، تعيش واقعها، تتنفس من رئتها، تمتلك فهما واقعيا واحتياجاتها، تترجمه عمليا داخل إطار فهم ممارسة المواطنة حقوقا وواجبات.
من هنا، فإن على القوى الشعبية، الحزبية والعشائرية، أن تستعيد دورها الريادي وتوظيف مكانتها الاجتماعية في توعية الناس، وحثّهم على فحص الأخبار وتحكيم العقل، وتجنب الانجرار وراء مصادر مشبوهة لا تضمر لهذا الوطن إلا السوء.
الأقلام الوطنية الحرة، التي لم تساوم ولم تهادن، ستبقى في مقدمة الصفوف، تتصدى لهذه الأصوات ولكل من يسعى لتشويه صورة الأردن أو النيل من سيادته وثوابته.
أوجعهم الأردن بمواقفه الواضحة، وبدبلوماسيته الديناميكية المقاومة الثابتة، خاصة في القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي بقيت في صلب عقيدته السياسية.
أوجعهم الأردن بقيادته وشعبه، وهو يقف موحدًا في وجه التطرف الصهيوني وخططه التوسيعية الرامية إلى تصفية الحقوق الفلسطينية عبر التلويح بعناوين الهجرة القسرية التي قاومها الاردن.
من يرى الأردن عظيما قويًا، واجبه أن يواكب ويعكس هذه الصورة بأداء يليق بمئويته الثانية، وبمؤسساته الراسخة، ليظل وطنًا حرًا صلبًا، تحرسه العيون الصادقة، وتبنيه سواعد الإخلاص، ويبقى دومًا آمنًا مطمئنًا، عصيًا على الإشاعة، كبيرًا بشعبه ومحبّيه، كريما عزيزا مستقرا. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك