أ.د. زياد محمد ارميلي : الأردن يصنع التاريخ ويتأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى… لحظة للوطن، وبداية لعهد رياضي جديد.

ها هو الحلم يصبح حقيقة. وها هي الإرادة الأردنية تكسر قيود المستحيل، لتسطر فصلاً جديداً من فصول المجد الوطني… الأردن يتأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه. إنجاز لا يشبه إلا نفسه، لحظة تاريخية تتردد أصداؤها في كل بيت، وترتفع لها قلوب الأردنيين فرحاً ودموعاً، كيف لا وقد أصبحنا على خريطة الكبار، بين عمالقة العالم.
جاء التأهل بعد فوز مستحق على منتخب عُمان وخسارة العراق أمام كوريا الجنوبية، فكانت الليلة بيضاء، والوطن كله في عرس كروي لا يُنسى. إنها لحظة يستحقها كل أردني… لحظة نصر طال انتظارها، نهديها لمن صبر، وثابر، وآمن بأن المستقبل لنا.
وإن هذا الإنجاز الوطني الخالص لم يكن ليكتب لولا الرعاية الملكية السامية والدعم اللامحدود من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي لم يتوان يوماً عن وضع الرياضة والشباب في أولويات أجندته الوطنية، إيماناً منه بأن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل صناعة للهوية والانتماء والطموح.
كما نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان إلى سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي أثبت في كل مناسبة أنه الأقرب لنبض الشباب، والأكثر التزاماً بتعزيز الروح الرياضية الوطنية. لقد تابع سموّه عن قرب مسيرة المنتخب، وكان شريكاً في هذا الحلم، وها نحن نناشده اليوم أن يقود ثورة رياضية بيضاء شاملة، تعيد رسم ملامح الرياضة الأردنية، وتضعها على طريق الاستدامة، والتألق، والاحتراف.
ولا يمكن أن ننسى جهود سمو الأمير علي بن الحسين، الذي لطالما كان منارة لكرة القدم الأردنية، مدافعاً عن تطورها، داعماً لمسيرتها، وساعياً لتمثيلها في المحافل الدولية بكفاءة واقتدار.
أما عن أبطال هذا الإنجاز، فهم لاعبو المنتخب الوطني الذين استحقوا لقب "النشامى" بكل فخر. لعبوا برجولة، قاتلوا على كل كرة، رفعوا اسم الأردن في كل ميدان، وكانوا رجالاً في المواقف الصعبة، يقودهم المدرب الكفؤ جمال سلامي، الذي أثبت أن القيادة الواعية هي من تصنع الفارق، حتى في أقسى الظروف.
ولا يكتمل المشهد من دون ذكر الجمهور الأردني العظيم، من الشمال إلى الجنوب، من المخيمات إلى المدن، الذي لم يبخل بصوته، ولا بحبه، ولا بتشجيعه. جمهورٌ تجلّى عشقه لوطنه في كل مباراة، فكان اللاعب رقم 12، وكان الشريك الحقيقي في هذا الإنجاز.
ومع هذه الفرحة العارمة، لا بد أن نبقي جزءاً من قلوبنا مع إخوتنا في غزة الجريحة، حيث يستمر القصف والعدوان، ويُعاني المدنيون أبشع صور الاحتلال والظلم. في خضم نشوة النصر الكروي، نرفع الأكف بالدعاء أن ينصر الله أهل غزة، وأن يفرّج عنهم الكرب، ويكتب لهم النصر المؤزر والفرج القريب. فالأردن، شعباً وقيادة، لم ولن ينسى فلسطين، وستبقى بوصلتنا نحو القدس.
واليوم، بعد أن دخلنا التاريخ من أوسع أبوابه، لا نريد أن نكون مجرد مشاركين في مونديال العالم. بل نطمح، ونؤمن، ونعمل على أن نكون "الحصان الأسود" للبطولة. نريد أن ندهش العالم بأدائنا، وأن نخطف قلوب الجماهير العالمية بروحنا، وأن نثبت أن الأردن ليس ضيف شرف، بل منافس عنيد، وطامح بمركز مشرّف في النهائيات.
ولتحقيق ذلك، فإننا بأمس الحاجة إلى وقفة وطنية شاملة لإعادة بناء الهيكل الرياضي الأردني، ليس فقط في كرة القدم، بل في جميع الألعاب الفردية والجماعية. نطالب اليوم بإنشاء مراكز وطنية للأداء العالي، وتوسيع قاعدة الاحتراف، والاستثمار في البنية التحتية، وتبني نهج علمي حديث في الإعداد البدني والفني والنفسي للرياضيين، وتطوير الاتحادات الرياضية وإدارتها بروح المسؤولية والكفاءة.
نطالب بأن تكون الرياضة في قلب رؤية الأردن الحديثة، وأن تعامل كقطاع حيوي، تماماً كالتعليم والصحة. فالرياضة هي مرآة الأمم، ولغة الشعوب، وجواز سفر إلى العالم.
فلنصنع من هذا التأهل بداية، لا نهاية. ولتكن هذه اللحظة بوابة لعصر رياضي جديد، نثبت فيه للعالم أن الأردن بلد الإمكانات، بلد الطموح، بلد النشامى.
ومبروك يا أردن… المجد لك في الميدان، والمستقبل لك في كل مكان.
أ.د. زياد محمد ارميلي/استاذ جامعي/ كلية علوم الرياضه في الجامعه الاردنيه