المحامي الدكتور هيثم عريفج : منع المساعدات عن غزة: جريمة حرب

منذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة عدواناً غير مسبوق من قبل القوات الإسرائيلية، اتسم باستخدام مفرط للقوة واستهداف المدنيين والبنى التحتية، ورافقه حصار شامل أحكم الخناق على أكثر من مليونين ومئتي ألف فلسطيني يعيشون في القطاع. لم يتوقف الأمر عند القصف الجوي والعدوان البري، بل تجاوزه إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية بشكل ممنهج، ما تسبب بكارثة إنسانية متفاقمة، خاصة بعد احتلال أجزاء واسعة من القطاع وإغلاق كافة المعابر.
رغم الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، إلا أن الواقع الميداني – خاصة منذ 7 أكتوبر – يؤكد أن إسرائيل أعادت احتلال مناطق واسعة من شمال ووسط وجنوب القطاع. وتمارس سيطرة شاملة على المجال الجوي، والمعابر، والمياه الإقليمية. وقد فرضت قيوداً شاملة على إدخال الغذاء، الدواء، والماء.
كمل تحاصر كافة المعابر من كرم أبو سالم، ورفح، ومعبر إيرز – وتمنع دخول المساعدات بحجة "منع وصلها لحماس ، وهي ذريعة غير قانونية وغير مقبولة دولياً.
وفقاً للقانون الدولي، فإن هذه السيطرة تُثبت أن غزة لا تزال تُعد أرضاً محتلة، ما يحمّل إسرائيل كامل المسؤولية القانونية عن سكان القطاع، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
القانون الدولي الإنساني، الذي ينظّم سلوك الدول أثناء النزاعات المسلحة، ينص صراحة على :
المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة: على دولة الاحتلال ضمان توفير الغذاء والدواء للسكان المدنيين.
المادة 59: يجب على دولة الاحتلال السماح بمرور المساعدات الإنسانية دون تأخير، خاصة إذا عجزت الموارد المحلية عن تلبية الاحتياجات.
المادة 8(2)(ب)(xxv) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: تصف تجويع المدنيين ومنع الإمدادات الإنسانية جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
كما جاء قرار مجلس الأمن رقم 2417 لعام 2018: يجرّم استخدام الحصار والتجويع كسلاح في النزاعات، ويدعو إلى ضمان وصول المساعدات دون عوائق.
وعليه فإن ما يقوم به الكيان من منع شامل لإدخال المساعدات – الغذائية والطبية – يُعد انتهاكاً صريحاً لاتفاقيات دولية متعددة، ويُصنّف كجريمة حرب مكتملة الأركان، لا تُبررها الادعاءات السياسية أو الأمنية.
اما الذريعة الإسرائيلية التي تزعم أن المساعدات قد تصل إلى "حماس" لا يمكن اعتبارها مبرراً قانونياً لمنع دخول الغذاء أو الدواء لملايين المدنيين، لأن:
1. القانون الدولي لا يجيز العقاب الجماعي تحت أي ظرف.
2. الحماية القانونية للسكان المدنيين لا تسقط بسبب وجود جماعات مسلحة.
3. جميع المعاهدات والمواثيق تشدد على أن احتياجات الإنسان الأساسية لا تخضع للمساومة السياسية.
وقد أكدت المحكمة الجنائية الدولية، في أكثر من مناسبة، أن نية "استهداف جماعة معينة" لا تبرر جرائم ممنهجة ضد السكان المدنيين.
بحسب تقارير الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية يعاني القطاع من نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء.المستشفيات تعمل بنسبة أقل من 10% من طاقتها.معدلات سوء التغذية والأوبئة في تصاعد خطير.الجثث في الشوارع والمباني، دون قدرة على دفنها أو معالجتها. نصف السكان يعيشون في العراء، دون مأوى أو حماية.
إنها كارثة إنسانية موثقة بالأرقام والشهادات، وليست مجرد أزمة طارئة.
يقف اليوم المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، أمام اختبار حقيقي لإثبات أن القانون الدولي لا يُطبَّق بانتقائية. وعلى الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف أن:
تُمارس ضغطاً حقيقياً لفتح المعابر فوراً.
تُدين بشكل صريح منع المساعدات كمخالفة للقانون الدولي.
تُفعّل آليات المساءلة الدولية ضد مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
تُرسل بعثات تقصّي دولية محايدة لمراقبة تنفيذ القانون الإنساني.
إن استمرار العدوان على غزة، مترافقاً مع الحصار ومنع المساعدات، لا يمكن عزله عن منظومة قانونية واضحة تعتبر هذه الأفعال انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جرائم حرب. إن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل في الضمير الإنساني وفي قوة القانون. وإذا سُمِح باستمرار هذه الانتهاكات دون مساءلة، فإن شرعية النظام الدولي بأسره ستكون موضع شك.