أ. د. عبد الزراق الدليمي : الإعلام في فكر جلالة الملك عبدالله الثاني منبر للإصلاح وحصن للهوية

في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم على المستويين التكنولوجي والسياسي، يبرز الإعلام على الدوام كأداة حيوية في بناء الدول وترسيخ الاستقرار وتعزيز المشاركة العامة. وفي الأردن، يُشكل الإعلام محورًا أساسيًا في الفكر السياسي لجلالة الملك عبد الله الثاني، الذي أولاه اهتمامًا خاصًا باعتباره أداة إصلاح، ووسيلة بناء وطني، وركنًا رئيسيًا في مواجهة فوضى المعلومات والتطرف.
تتجلى أهمية الإعلام في فكر الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك الأردن، بوضوح في مجمل خطاباته السياسية والإصلاحية، حيث يُنظر جلالته إلى الإعلام ليس فقط كأداة لنقل الأخبار، بل كعنصر محوري في بناء الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار، وصياغة وعي وطني متنور. ان تبرز أهمية الإعلام في فكر الملك القائد عبر نظرته إلى الإعلام كركيزة للإصلاح السياسي والاجتماعي
حيث شدد جلالته في أوراقه النقاشية وخطاباته العامة على اهمية دور الإعلام في ترسيخ الديمقراطية وتعزيز الحوار الوطني، باعتباره منصة لتداول الرأي الحر ومراقبة الأداء العام.كما أكد على أن الإعلام الحر والمسؤول هو أحد الركائز الأساسية للإصلاح الشامل، ووسيلة لتعزيز الشفافية والمساءلة ((الإعلام الحر والمهني هو ركن أساسي في الإصلاح، وعلينا أن نحميه من محاولات الإضعاف أو التوظيف السلبي.))(من خطابات الملك)
دور مميز للإعلام في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء
يرى جلالته ان هناك دورامميزا للإعلام في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء ويجب على الإعلام الأردني أن يسهم في تعزيز الانتماء الوطني والهوية الجامعة، من خلال دعم خطاب التعددية والانفتاح، ونبذ خطاب الكراهية أو الإقصاء.ويؤكد دائمًا على دور الإعلام في مواجهة التطرف والأفكار الهدّامة، عبر تعزيز ثقافة الحوار والاعتدال.
كذلك يؤكد جلالة الملك القائد على اهمية الإعلام في مواجهة الإشاعة وفوضى المعلومات ففي ضوء تنامي فوضى المعلومات، دعا الملك إلى تطوير إعلام وطني موثوق وقادر على التصدي للإشاعات والتضليل، خاصة عبر الفضاء الرقمي.وشدد على أهمية الاستثمار في التربية الإعلامية والمعلوماتية، بحيث يكون المواطن قادرًا على التمييز بين الحقيقة والزيف.
كما لم يغفل جلالته من اهمية التمكين المهني والتشريعي للإعلاميين وركّز جلالته في عدد من المناسبات على ضرورة حماية حرية التعبير مع التأكيد على المسؤولية المهنية، وخلق بيئة تشريعية وتشغيلية عادلة تُمكّن الإعلاميين من أداء دورهم بكفاءة.ودعم تشكيل مجالس وهيئات مستقلة تُعنى بتنظيم القطاع الإعلامي وتطويره.
ويؤمن جلالة الملك القائد بدور الإعلام كأداة لتعزيز صورة الأردن خارجياً و في تقديم الرواية الأردنية للعالم، والتصدي لمحاولات التشويه أو التهميش، لا سيما في القضايا الإقليمية مثل القضية الفلسطينية، أو ملف اللاجئين، أو محاربة الإرهاب.كما حرص جلالته على التوجه دائمًا نحو بناء شراكات إعلامية دولية وتطوير إعلام دولي ناطق باسم الأردن بلغات متعددة. كما ينبع فكر جلالته حول الإعلام من استراتيجات وتصورات جوهرية لترسيخ قواعد مبدئية لإعلام مهني، حر، مسؤول، شريك في بناء الدولة، ومحصن من الابتذال والتضليل، وقادر على تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع الأردني
رؤية استراتيجية للاعلام في بناء الدولة وتعزيز الثقة
منذ توليه العرش السامي كان الإعلام في فكر جلالته ركيزة للإصلاح السياسي والاجتماعي وأكد جلالة الملك عبد الله الثاني في أوراقه النقاشية وخطاباته الوطنية على أن الإعلام الحر والمسؤول يشكّل ركيزة أساسية في أي عملية إصلاح سياسي ناجح، بوصفه منصة للحوار المجتمعي ومساءلة السلطات."نريد إعلامًا حرًّا ومسؤولًا يُسهم في دعم الإصلاح، ويكرّس قيم النزاهة والشفافية، ويكون شريكًا في عملية البناء لا معطِّلاً لها.”(من خطاب العرش، 2013)وقد دعا الملك إلى خلق بيئة حاضنة للإعلام المهني تعزز التعددية والانفتاح وتضع حدًا لتغوّل السلطة على الكلمة الحرة.
الإعلام في فكر جلالة الملك أداة لتعزيز الهوية الوطنية ومواجهة التطرف حيث ينظر الملك إلى الإعلام باعتباره قوة ناعمة تعزز الانتماء والهوية الوطنية الجامعة، وتواجه محاولات تمزيق النسيج المجتمعي. وفي إطار مكافحة الإرهاب والتطرف، أشار الملك في عدة مناسبات إلى ضرورة استخدام الإعلام كوسيلة لترسيخ الاعتدال وقيم التسامح "لا بد من توظيف الإعلام في معركتنا ضد الظلامية، فالكلمة الحرة هي خط الدفاع الأول عن قيمنا وهويتنا.”(خطاب في القمة العربية، 2017) وقد دعا جلالته إلى تطوير خطاب إعلامي يحترم التعدد والاختلاف، ويقدّم صورة الأردن كدولة منفتحة ومعتدلة
كذلك يرى جلالته ان الإعلام دعامة قوية يمكن توظيفها بشكل واع في مواجهة فوضى المعلومات والإشاعة ومع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية، تنامت تحديات فوضى المعلومات، مما دفع الملك إلى التأكيد على ضرورة تطوير أدوات إعلامية ومجتمعية لمواجهة التضليل والإشاعة، من خلال التربية الإعلامية وتطوير مهارات التحقق من المعلومة."نواجه اليوم طوفانًا من المعلومات، منها الصادق ومنها الكاذب، ويقع على عاتق الإعلام أن يكون بوصلتنا نحو الحقيقة.”
(الورقة النقاشية السادسة) وقد دعم الملك مبادرات إدخال التربية الإعلامية والمعلوماتية ضمن المناهج التعليمية، من أجل بناء وعي نقدي لدى الأجيال الصاعدة.
أكّد جلالة الملك على اهمية التمكين المهني والتشريعي للإعلام وعلى ضرورة صون حرية الإعلام ضمن أطر من المسؤولية والمهنية، داعيًا إلى إصلاح التشريعات الإعلامية بما يضمن الحماية القانونية للصحفيين ويمنع التعدي عليهم، ويحقق التوازن بين حرية التعبير والنظام العام."لا إصلاح بدون إعلام حر ومسؤول، يحظى بالحماية والاستقلالية، ويُحاسب على التجاوز لا على الرأي.”(من الورقة النقاشية الخامسة) ،كما شدد جلالته على أهمية الاستثمار في تأهيل الكوادر الإعلامية وتحديث المؤسسات الوطنية لتواكب المتغيرات التكنولوجية والاحترافية.
كما يرى جلالة الملك ضرورة توظيف الإعلام كأداة للدبلوماسية العامة وبناء الصورة الخارجية حيث أن للإعلام دور استراتيجي في تقديم الرواية الأردنية للعالم، والتصدي للتضليل حول مواقف الأردن من القضايا الإقليمية والدولية، ولا سيما القضية الفلسطينية، واللاجئين، ومكافحة الإرهاب."الإعلام الوطني يجب أن يتحرك بثقة، ويتحدث بصوتنا، ويعرض صورتنا كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون.”(خطاب الملك في مؤتمر الإعلام العربي، 2019) ودعا جلالته إلى تطوير شراكات إعلامية إقليمية ودولية، وتعزيز الإعلام الناطق بلغات متعددة يخاطب الرأي العام العالمي.
وعلى خلاف نظرة الاخرين فالإعلام في فكر الملك عبد الله الثاني ليس أداة جانبية، بل هو شريك أصيل في مشروع الدولة، ووسيلة إصلاح وطني ومقاومة فكرية في وجه الفوضى والتطرف. ومن هنا، فإن فكر جلالته لبناء إعلام وطني قوي يتجاوز الجانب التكتيكي الى الستراتيجيات العميقة التي يتطلب العمل على تحقيقها في المسارات التالية:
1. تطوير بيئة تشريعية تحمي حرية الإعلام وتضبط الأداء المهني.
2. دعم التربية الإعلامية في المدارس والجامعات.
3. الاستثمار في تحديث البنية التكنولوجية والكوادر الإعلامية.
4. مواجهة خطاب الكراهية والتضليل بالمهنية والحقائق.
5. تعزيز دور الإعلام الأردني في الساحة الدولية.
وللموضوع بقية.