رلى السماعين : في خطوة لتعزيز التمكين

نعيش اليوم في وقت بتنا نتكلم عن «تعزيز التمكين» الذي يعتبر ضرورة مجتمعية لا يمكن تجاهلها، خاصة حين يتعلق الأمر بـ»تمكين المرأة»؛ هذا الموضوع الذي يُعد من الأكثر تداولاً على المستوى العالمي، ويُشكّل في الوقت ذاته حاجة ملحّة لكثير من المجتمعات التي تسعى للنهوض الشامل والمستدام. في الاردن، لم يكن تمكين المرأة مجرد شعار، بل هو نهج متجذّر في الحياة السياسية منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، فقد أولى الأردن الحياة الديمقراطية اهتماماً جاداً، وسعى عبر سياساته وتشريعاته المتعاقبة إلى بناء نموذج من الديمقراطية الشاملة التي لا تكتمل إلا بمشاركة النساء إلى جانب الرجال، في جميع مواقع القرار، وفي صناعة المستقبل.
ويأتي هذا الالتزام ضمن رؤية ملكية واضحة عززتها أوراق النقاش الملكية، والتوجيهات المستمرة بتمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، بما ينعكس إيجاباً على التنمية الوطنية. وتُظهر مؤشرات السياسات الحكومية والاستراتيجيات الوطنية، مثل الاستراتيجية الوطنية للمرأة، والتحديث الاقتصادي، أن الأردن يأخذ هذا التوجه على محمل الجد، ويترجمه إلى برامج عملية وشراكات دولية تهدف إلى تقليص الفجوات وتحقيق الشمول الحقيقي.
ياخذ «التمكين» الان خطوة اضافية في تمكين المرأة بالذات في القطاعين المالي والتكنولوجي الامر الذي لم يعد مجرد مطلب اجتماعي، بل ضرورة تنموية لتحقيق التحول الرقمي وبناء مجتمعات أكثر شمولاً وتوازناً.
ففي الأردن، ورغم تفوق النساء أكاديمياً حيث يشكلن 56% من خريجي الجامعات، إلا أن مشاركتهن في سوق العمل لا تتجاوز 14.2%، لذا، تسعى الحكومة، من خلال استراتيجية التحديث الاقتصادي، إلى رفع هذه النسبة إلى 28% بحلول عام 2033، مما يعني توفير أكثر من 280,000 فرصة عمل جديدة للنساء.
ولكن كل تقدم لا يخلو من تحدياته. ويتمثل التحدي الأكبر حالياً في الفجوتين الرقمية والمالية، حيث تُظهر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة لعام 2018 أن النساء يشكلن أكثر من نصف خريجي تخصصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلا أن نسبة العاملات فعلياً في هذا القطاع لا تتجاوز 33%. أما في القطاع المالي، فتمتلك النساء 1.4 مليون حساب بنكي فقط، أي ما يعادل 36% من إجمالي الحسابات الفردية، ويحصلن على 18.5% فقط من القروض الفردية. هذه الأرقام تسلط الضوء على فجوة واضحة بين التأهيل الأكاديمي والتمكين الفعلي، وتؤكد الحاجة إلى استجابة حقيقية وإجراءات هيكلية مستدامة تعزز من فرص النساء في الوصول إلى أدوات التمويل والتكنولوجيا، بما يضمن مشاركتهن الفاعلة في التحول الرقمي والاقتصاد الوطني.
لسد الثغرة، أطلق الأردن عدداً من المبادرات الطموحة بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، من بينها «مسرّع التوازن بين الجنسين» الذي يهدف إلى سد الفجوات في مجالات التوظيف، والقيادة، والأجور. كما تم إطلاق منصة وطنية رقمية لتسهيل وصول النساء المؤهلات إلى مناصب قيادية في القطاع الخاص، في محاولة لترسيخ بيئة عمل قائمة على الكفاءة والعدالة.
ولا يقتصر تمكين المرأة على تحقيق العدالة الاجتماعية فحسب، بل يتعداه ليشكل رافعة حقيقية للابتكار والنمو. تشير الدراسات إلى أن زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة بنسبة 25% يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي للأردن بنسبة تصل إلى 5% سنوياً. وهذا الرقم ليس مجرد تقدير نظري، بل دليل على الإمكانات غير المستغلة التي يمكن أن تتحول إلى إنجازات اقتصادية ملموسة إذا ما توفرت الإرادة السياسية والإجراءات الفاعلة.
تحقيق التحول الرقمي الشامل يترجم الاقوال الى افعال لتكون المرأة شريكة حقيقية في صياغة المستقبل الاقتصادي، وليس فقط كمستهلكة أو موظفة، بل كمبتكرة، وقائدة، وصانعة للتغيير. ومع كل خطوة باتجاه الشمول المالي والتكنولوجي، نقترب أكثر من مجتمع أكثر توازناً وعدالة، وأكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل بأدوات متنوعة وشاملة. ــ الدستور