د. رعد محمود التل : العقبة: بوابة الاستثمار ومحرك نمو اقتصادي واعد

خطت الحكومة خطوة مهمة في اتجاه تعزيز البيئة الاستثمارية في العقبة، من خلال حزمة من القرارات الجديدة التي تعكس توجهاً استراتيجياً واضحاً لجعل المدينة أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في الأردن، بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي 2022–2033، والمخطط الشمولي الحضري للمدينة.
أبرز ما يميز هذه القرارات هو الدمج المتوازن بين الحوافز العقارية والسياحية والتعليمية، بما يسهم في جذب رؤوس الأموال وتحفيز إقامة طويلة الأمد لمستثمرين ومتقاعدين من داخل وخارج المملكة. ويأتي هذا التوجه في وقت يمر فيه الاقتصاد الأردني بتحديات تتعلق بمحدودية النمو وتباطؤ الاستثمارات الخاصة، ما يجعل العقبة منصة حيوية لإعادة تحفيز الدورة الاقتصادية في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
تشكل الحوافز الجديدة المقدمة في قطاع العقار خطوة عملية لتحفيز الطلب ورفع كفاءة الاستثمار السكني. فهي لا تقتصر على الإعفاءات الجمركية أو التسهيلات المرتبطة بإدخال المركبات أو الأثاث، بل تتعداها إلى منح إقامة طويلة الأجل وربطها بقيمة الاستثمار، وهو ما يعكس انتقالاً نحو نموذج جذب استثمار نوعي، لا مجرد تدفقات قصيرة الأجل.
كما أن توجيه هذه الحوافز نحو المجمعات السكنية يوفر إطارًا تنظيميًا يحقق الاستدامة من جهة، ويعزز من تنافسية المدينة في سوق العقار الإقليمي من جهة أخرى. ويُتوقع أن تسهم هذه الحوافز في تنشيط السوق العقاري الراكد، وتحفيز المطورين العقاريين على ضخ مشاريع جديدة، خاصة أن المخزون الحالي يبلغ 1100 وحدة، مع خطة لإضافة 1200 وحدة إضافية.
لا تقتصر استراتيجية الحكومة على القطاع العقاري، بل تشمل أيضًا إطلاق مجموعة من المشروعات البحثية والتعليمية الرائدة في المنطقة الجنوبية للعقبة. تتضمن هذه المشاريع استزراع المرجان وتطوير مختبرات علمية متخصصة بالأحياء البحرية، ما يفتح الباب أمام تطوير ما يعرف بالاقتصاد الأزرق، وهو قطاع ناشئ قادر على جذب التمويل الدولي، وتحقيق عوائد مستدامة عالية.
كما أن تحويل منطقة الساحل الجنوبي إلى مركز بحثي وتعليمي متقدم يعزز من مكانة العقبة على الخارطة الإقليمية كمركز للمعرفة والابتكار، ويدعم توجهات التنويع الاقتصادي، ويخلق وظائف نوعية في مجالات الهندسة البحرية، والبيئة، والبحث العلمي.
تستهدف الحوافز أيضًا المتقاعدين العرب والأجانب الراغبين بالإقامة في الأردن، من خلال تسهيلات خاصة ترتبط بامتلاك العقارات، وتقديم خدمات نوعية تسهم في جذب هذه الشريحة التي غالبًا ما تتمتع بقدرة إنفاق عالية واستقرار مالي. ويُعد هذا التوجه إحدى أدوات رفع الطلب المحلي، وتنشيط قطاع الخدمات، والرعاية الصحية، والتجزئة.
في المجمل، تعكس القرارات الأخيرة فهماً دقيقاً لمحددات الجذب الاستثماري، حيث يتم توظيف أدوات مالية وتشريعية وإجرائية لدعم بيئة الاستثمار، دون المساس باستقرار المالية العامة، وهو ما يمثل مقاربة واقعية لمعادلة النمو المستدام.
تأتي حزمة الحوافز الجديدة للعقبة في توقيت مهم للاقتصاد الوطني، وتشكل خطوة نحو استغلال المزايا النسبية التي تمتلكها المدينة، سواء من حيث الموقع الجغرافي أو البنية التحتية أو الإطار التشريعي الخاص بها. وإذا ما ترافقت هذه الحوافز مع تسويق دولي فعّال وتسهيلات إدارية حقيقية، فإن العقبة مرشحة لأن تصبح مركزًا إقليميًا للاستثمار والسكن والسياحة والبحث العلمي، مما ينعكس إيجابًا على معدلات النمو وخلق فرص العمل وتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي.