د. احمد بطاح : ترامب بعد 100 يوم: نجاح مشهود أم فشل متراكم؟!

إنّ مما لا شك فيه أن الرئيس الأميركي «ترامب» شخصية أسطورية حيث تمكّن من العودة إلى الرئاسة بعد انقطاع، ليكون ثاني رئيس في التاريخ الأميركي يفعل ذلك، وهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي أوصى مجلس النواب الأميركي بإقالته مرتين خلال عهدته الأولى ولم يُقل، كما أنه الرئيس الأول في التاريخ الأميركي الذي يُدان جنائياً (في قضية ما عرف «بشراء الصمت") ولكنه مع ذلك ترشح للرئاسة وفاز!
والآن... وبعد أن أمضى ترامب مائة (100) يوم في سدة الرئاسة، يحق للمحلل المتابع أن يتساءل: هل نجح ترامب أم فشل؟ وبخاصة أنه تخيل بعد فوزه، أنه «إمبراطور العالم» وأنه من موقعه في البيت الأبيض يستطيع أن يحقق الوعود الكثيرة التي نشرها يميناً وشمالاً أثناء حملته الانتخابية، والتي امتدت من السيطرة على جزيرة «جرينلاند» إلى وقفْ الحرب الروسية الأوكرانية في يوم واحد!
إن استعراض ما حققه «ترامب» خلال المائة يوم الأولى من رئاسته يدل بوضوح على أن نجاحاته متواضعة، وأنّه يراكم الفشل على صعيد معظم القضايا التي وعد بالتعامل معها، ولعلّ أهمها:
أولاً: فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية: تمكّن ترامب من تحقيق نجاح لا بأس به في هذا المجال، واستطاع ترحيل أعداد غير قليلة من المهاجرين غير الشرعيين، ولكنه في الواقع لم يستطع وقف الهجرة من الخارج نهائياً، كما أن عدداً من الولايات المسماة «بالملاذات الآمنة» لم توافقه على إجراءَاته ووقفت مع المهاجرين غير الشرعيين المقيمين على أراضيها والتي توفّر لها عمالة رخيصة، وعلى أية حال، فإنّ ترامب لا يستطيع أن يزعم بأنه نجح نجاحاً كاملاً في هذا الشأن الهام، الذي بنى عليه أساس حملته الانتخابية.
ثانياً: فيما يتعلق بالسيطرة على جزيرتي «جرينلاند» وبنما: لم تسيطر الولايات المتحدة عليهما، حيث وقفت الدنمارك (التي تتبع لها الجزيرة) ومن ورائها الاتحاد الأوروبي في وجه ترامب، كما وقفت «بنما» نفس الموقف متهمةً إياه بالكذب وبأنها تلتزم بالاتفاقية الموقعة بينها وبين الولايات المتحدة فيما يتعلق باستخدام القناة، ومن الجدير بالذكر أنّ «كندا» التي أبدى ترامب رغبته في إلحاقها ببلاده كالولاية الواحدة والخمسين انتخبت قيادة جديدة، وعبرت عن رفضها القاطع لعملية الالحاق التي تراود أحلام ترامب.
ثالثاً: فيما يتعلق برفع التعرفة الجمركية: لقد أعلن ترامب أنه بدأ مرحلة «التحرير الاقتصادي» للولايات المتحدة، واعداً بمعاقبة العالم كله (الحلفاء والأعداء) الذين يستغلون الولايات المتحدة!، ولكنه ما لبث أن تراجع وأجلّ تنفيذ قراراته لمدة (90) يوماً، وهو عالق الآن في حربه التجارية مع الصين بالذات التي اتهمته «بالتنمر» الاقتصادي، والتنصل (من خلال إجراءَاته الحمائية) من كافة الالتزامات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية (Trade Organization World)، بل وردّت عليه بإجراءات معاكسة سوف تُلحق ضرراً مؤكّداً بالاقتصاد الأميركي كما يقول الخبراء. إنّ إجراءات «ترامب» التي تتعلق بالتعرفة الجمركية ما زالت موضوع جدل، وقد خسر سوق الأسهم الأميركية في Wall Street «مليارات الدولارات»، كما اتضح بغير مجال للشك أن هناك تخبطاً وعدم تأكد (uncertainty) في الحياة الاقتصادية الأميركية، التي تنعكس بمستوى أو بآخر على مجال الحياة الاقتصادية في العالم، حيث يشكل الاقتصاد الأميركي ربع الاقتصاد العالمي.
رابعاً: فيما يتعلق برفع رسوم الدول المنتسبة إلى الناتو: لقد طلب ترامب من هذه الدول أن ترفع نسبة مشاركتها إلى (5%) من الناتج المحلي الإجمالي، وإلا فإنه سوف يرفع الحماية عنها ويتركها فريسة لروسيا على حد تعبيره!، ولكن الواقع يقول أن معظم هذه الدول (29 دولة) لم يرفع نسبة مشاركته إلى (5%) وما زالت، في الواقع، بين 2-3%، وقد اتجهت هذه الدول إلى الاعتماد على نفسها فيما يتعلق بالأمن، بل ودراسة تكوين «جيش أوروبي» مستقل، يأخذ على عاتقه حماية أوروبا، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ علاقة الولايات المتحدة مع الناتو ودول الاتحاد الأوروبي لم تكن يوماً أسوأ مما هي عليه الآن بفعل سياسة ترامب الذي يرفع شعار أميركا أولاً (America First)، ويهتم أكثر ما يهتم بجمع المال، مغفلاً الدور القيادي للولايات المتحدة، الذي يفرض عليها أن «تدفع» أحياناً مقابل النفوذ (Leverege) الذي تتمتع به على مستوى العالم.
خامساً: فيما يتعلق بالكفاءَة الحكومية: في إطار حربه على ما يسمى «الدولة العميقة» في بلاده، بدأ ترامب محاربة كثير من المؤسسات الراسخة في الولايات المتحدة (وكالة الأمن الداخلي FBI، الجامعات، وكالة التنمية الأميركية USAID...) وقد كلّف صديقه الملياردير «إيلون ماسك» بهذه المهمة، ولكن صديقه هذا، وبعد أن فعل ما فعل بشأن كثير من المؤسسات «لوقف الهدر» فيها كما يقول استقال من منصبه (كوزير أو مستشار للكفاءَة الحكومية)، واعترف بأنه لم يستطع توفير أكثر من (150) مليار، في حين أن طموحه كان توفير «ترليون» دولار!
سادساً: فيما يتعلق بوقف الحروب: لقد زعم ترامب أن معظم الحروب الدائرة الآن (الروسية الأوكرانية، الفلسطينية الإسرائيلية في قطاع غزة...) لم تكن لتحدث لو كان رئيساً، وقد وعد بإيقافها، ولكن ما يحصل الآن هو أن حرب غزة عادت لتشتعل بعد فترة توقف ليست طويلة وعلى شكل إبادة جماعية مُخجلة للإنسانية جمعاء تقارفها إسرائيل بدعم واضح ومفتوح من ترامب، أما الحرب الروسية الأوكرانية، فما زالت مشتعلة، وحتى لو توقفت فسوف تتوقف بالشروط الروسية، وهي القبول بضم جزيرة القرم نهائياً إلى روسيا، وكذلك جميع الأراضي في المقاطعات الأربع التي احتلتها روسيا في شرق أوكرانيا، وهذا ما يعتبره كثيرون في الولايات المتحدة -وبالتأكيد في أوروبا- استسلاماً في الواقع لروسيا!
إنّ الحقيقة هي أن ترامب لم يحقق أيّ نجاح مشهود أو اختراق (Breakthrough) في أية قضية مهمة، ويبدو أنه سوف يكتفي بالمراسيم الرئاسية التي هي من صلب صلاحياته، والتي تَعَامل من خلالها مع عدد من القضايا الأميركية المحلية. ولذا فلا عجب إن تدنت شعبيته إلى أقل نسبة يواجهها رئيس أمريكي منذ (70) عاماً كما تقول الاستطلاعات، ولا غرابة إذا واجه حزبه الجمهوري خسارة ثقيلة في الانتخابات النصفية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى بمعيار الزمن!