د. دانيلا عدنان القرعان تكتب : دور الأردن الثابت والراسخ «من قلب الحدث» مشاركتي عمليات الإنزال الجوي على قطاع غزة

الأردن كان وما زال وسيبقى المدافع الأول عن القضية الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص، ولم يدخر الأردن جهدًا ووقتًا في إيصال كلمة الحق في إحقاق الحقيقة المؤكدة أن فلسطين ذات يوم ستنال استقلالها، وسيكتسب الشعب الفلسطيني كافة حقوقه المكتسبة. موقف الأردن لم يكن وليد اللحظة أو بمحض الصدفة، بل هو موقف متوارث وثابت ما بين ملوك بني هاشم، وجاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم ليكمل ما بدء به آباؤه وأجداده في نصرة القضية الفلسطينية، وتقديم كافة سبل الدعم والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني والشعب الغزي، والمواقف تشهد أن الأردن كان في طليعة الدول العربية والعالمية في الوقوف وتقديم كافة المساعدات الإنسانية والطبية والدوائية للشعب الفلسطيني وتحديدًا الشعب الغزي، ولم يكتفي الأردن بتقديم الدعم والمساعدات فحسب ، بل أن جلالة الملك كان السفير الحقيقي في إيصال صوت الضمير لكل رؤساء ودول العالم؛ حتى يستجمع جلالته مواقف العالم أجمع تجاه ما يحدث في فلسطين وقطاع غزة. وها هو الأردن اليوم يتعرض لحرب شرسة ضروس، تقودها فئات الظلام والمستنكرين، في محاولة منهم للتشكيك بمواقف الأردن الواضحة كوضوح شمس الصيف الحارقة في منتصف شهر آب اللهاب، والثابثة كثبوت هلال رمضان وهلال العيد، وكثبوت الجبال العالية الراسخة. هذا التشكيك لم يأتي من فراغ، بل هو نتيجة مؤامرات سابقة ومستمرة للنيل من أمن واستقرار الأردن، والذي بات يرعبهم قوة الأردن وتماسكه تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط الملتهب. وقد حاولوا بشتى الطرق النيل من هذا الوطن، لكن وبحمد الله دائمًا محاولاتهم تفشل فشلا ذريعًا، وتبوء بالتلاشي والنسيان. شهد الأردن الكثير من المحاولات لإغتياله وإطفاء نوره المتوهج بكافة الطرق، وعندما لم تنجح خططهم من النيل من هذا البلد، بدأوا بزع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الاردني، ولم يكتفِ الأمر عند هذا الحد أيضًا، بل استكملوا مؤامراتهم بالتشكيك بمواقف الأردن الواضحة والثابثة والراسخة في دعم الأهل في فلسطين وقطاع غزة، وبدأوا بنشر الروايات والقصص المفبركة، لكن أيضًا باتت محاولاتهم في كل مرة تفشل فشلا يعم في كل مكان. وهذا الأمر يغيب عن أصحاب العقول السوداء والمظلمة، أن في كل مرة يحاولون النيل من هذا الوطن، يقف ابناؤه وبناته لهم بالمرصاد، وكأن الشعب الاردني كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، هكذا نحن الأردنيين، من يحاول التلاعب بنا، أظهرها له من نحن، وما هو الأردن العظيم.
لم يألُ الأردن جهدًا ولا وقتًا في دعم القضية الفلسطينية من كافة الجوانب، واليوم يثبت الأردن ما كان يتحدث عنه عبر السنوات الماضية من أشكال الدعم المستمرة التي لا تتوقف تجاه إخواننا الفلسطينيين.
إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الوجه الآخر من أشكال المساندة الحقيقية للأشقاء الغزيين، وها هي الطائرات العسكرية الأردنية اليوم والتي كانت السبّاقة في إرسال المساعدات، تحلّق في سماء قطاع غزة الذي يدّك بالصواريخ الإسرائيلية صباح مساء. الموقف الأردني كان وما زال ثابتًا رغم الظروف التي تحيط به منذ أن قرعت طبول الحرب في غزة، وهو الرامي إلى وقف الحرب وإيصال المساعدات، ويأتي هذا الموقف في الوقت الذي ما زال يشدد فيه الإحتلال الإسرائيلي الحصار على غزة ويمنع إدخال المساعدات والأدوية للمرضى والجرحى وأهالي القطاع.
وعند الحديث عن أبرز دلالات هذه الخطوة، هي قدرة الأردن على استثمار مكانته الدولية في الأزمات الحادة، وأداء دور مهم قد يعجز عنه الكثيرون في المنطقة، وإصراره على نصرة الاشقاء في غزة وتخفيف آلامهم ومواجهة الغطرسة الصهيونية التي فاقت كل المعايير في البطش والقتل الممنهج، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
ثمة دلالات سياسية كبيرة للدور الأردني المحوري في أزمات المنطقة، وشبكة الأدوار الإقليمية والدولية المعقدة التي ترافق المحنة التي يواجهها الأشقاء في قطاع غزة تؤكد إصرار الأردن على نصرة الأشقاء في غزة، وتخفيف آلامهم، ومواجهة تصرفات العدو الإسرائيلي التي فاقت كل المعايير الدولية والقوانين الدولية والاتفاقيات الدولية.
وهذه المواقف تنبع من الدور القيادي والسياسي والإقليمي لجلالة الملك، ونبل الدور الأردني الكبير للشعب والجيش العربي القوات المسلحة الأردنية على حد سواء.
«لم يسجل التاريخ أن زعيمًا قام ما قام به جلالته» مما يثير الدهشة، ومخالفة للبروتوكولات الملكية أن ملكًا يتصف بصفات الجنود، بمعنى أنه جندي قبل أن يكون قائدًا وملكًا، يقف دائمًا ويشارك أبناء الجيش العربي والأجهزة الأمنية ويتناول الإفطار معهم، ويشاركهم الأحاديث والمغامرات، ويذهب إلى منازلهم، ولم يكتف عند هذا الحد، بل إنه الزعيم الوحيد الذي شارك بعمليات الإنزال الجوي على قطاع غزة بوقت تلتهب فيه غزة من نيران العدو الإسرائيلي، ووقف إلى جانب نشامى الجيش وهم على متن الطائرة العسكرية يلقون المساعدات الإنسانية بظروف ولحظات صعبة، قولوا لي من هو الزعيم الذي يفعل ذلك سوى ابو الحسين؟!
وعن الحديث عن أهم جزئية عززت وطنيتي وانتمائي لهذا البلد، هو مشاركتي في عمليات الإنزال الجوي على قطاع غزة لأكثر من مرة، وهذا الأمر عزز أيضًا فخري وأردنيتي ووطنيتي لهذا البلد بشكل لا يصدق، سنحت لي القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية مشكورةً، واعتز به كأعتزازي بوطني، الفرصة الذهبية كأبنة لهذا الوطن أنتمي له بهويتي وجواز سفري، وبكل جوارحي الناطقة والصامتة، المشاركة مع أبطال وأسود ونشامى الجيش العربي، ونسور سلاح الجو الملكي على متن طائرة عسكرية كانت متجهة إلى قطاع غزة للقيام بالدور الأساسي والذي أصبح جزء لا يتجزأ من مهمات الجيش الأردني تجاه الأشقاء في قطاع غزة. شعور لا يمكن وصفه أن أكون جنبًا إلى جنب مع جيش أبو الحسين، مع من لا يهابون الموت وهم يقفون على حافة الطائرة العسكرية وهي مشرّعة أبوابها للهواء، وملّحقة في سماء أقرب ما يمكن وصفها أنها سماء حرب، يقفون بجبهات مرتفعة وناصبة وقوية وثابتة، وبعزيمة وإرادة اكتسبوها من ملك وقائد عظيم علّمهم معنى أن يقفون أمام الموت ولا يهابونه ، لذلك هم جنود أبو الحسين، خريجي مدرسة قائد فذّ مقدام جريئ لا يخاف لومة لائم.
انطلقنا من قاعدة الملك عبد الله الثاني الجوية #الغباوي، ومررنا بالاجواء الأردنية متجهين إلى قطاع غزة المحاصر، في هذه الأثناء وأمام مرأى عيني ونبضات قلبي تزداد أكثر وأكثر، كانوا الأبطال نشامى الجيش العربي وبمساندة نسور سلاح الجو الملكي كخلية نحل لا تتوقف، وكأنهم جسد واحد، يقفون إلى جانب صناديق الإمدادات الغذائية والدوائية وكأنهم حرّاس لها، يقفون بثبات منتظرين الأوامر للإستعداد لعملية إنزال تعتبر الثامنة في ذلك اليوم. فتحت الأبواب معلنة اللحظة التي سيتم فيها إنزال جوي بواسطة مضلات محكمة بأسس وأنظمة معينة ودقيقة، أعطيت الأوامر بناءا على إشارة أصابع اليد، وثم بدأت عمليات الإنزال الجوي بمشهد تقشعر لها الأبدان على أرض ارتوت من دماء أبنائها وساكنيها، مشهد جعلني أشعر بالفخر والاعتزاز بجيش وطني ونشامى وطني وبمليكي تارة، وتارة أخرى أشعر بوجع وحزن شديدين على أرض تستحق أن تعيش كغيرها من بلاد العالم بسلام ولم تذق السلام. ألقيت نظرة من نافذة الطائرة العسكرية على ركام وحطام ودمار لم يترك طيرًا ولا إنسًا ولا حيوانًا ولا جمادًا على قيد الحياة، فُنيَ الجميع ولم يبقى الا المشهد الحزين.
اريد أن أوجه رسالة لجميع المشككين بالمواقف الأردنية تجاه الأشقاء الفلسطينيين وخاصة الغزيين، لو كنتم جنبًا إلى جنب مع أبطال الجيش العربي وهم يقفون على حافة الطائرة مستعدين لعمليات الإنزال لما شككتم بهذه المواقف، الأردن كان وسيبقى الملاذ الآمن لكل من يطلب الحماية منه، فما بالكم عندما يكون الملاذ الآمن لفلسطين.. حمى الله الأردن وحمى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وأبعد الله عن الأردن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن... ــ الدستور