الأخبار

د. خالد العاص : زيارة ولي العهد إلى اليابان.. دبلوماسية المستقبل ومرتكزات الشراكة الاستراتيجية

د. خالد العاص : زيارة ولي العهد إلى اليابان.. دبلوماسية المستقبل ومرتكزات الشراكة الاستراتيجية
أخبارنا :  

تحمل زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى اليابان دلالات عميقة تتجاوز البعد البروتوكولي، لتكشف عن تحوّل نوعي في فلسفة الدور الأردني في العلاقات الدولية، وخاصة في سياق التغيرات التكنولوجية والاقتصادية العالمية. فهي ليست زيارة مجاملة، بل خطوة محسوبة في اتجاه ترسيخ ما يمكن تسميته بـ»دبلوماسية المستقبل»، التي تضع الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الرقمي، وتمكين الشباب في صدارة أولويات الدولة الأردنية.

منذ عقود، اتسمت العلاقات الأردنية - اليابانية بالثبات والدعم المتبادل، سواء من حيث المساعدات الإنمائية أو التعاون في المحافل الدولية. لكن هذه الزيارة جاءت لتفتح أبوابًا جديدة في طبيعة تلك العلاقة؛ لم تعد اليابان مجرد مانح اقتصادي، بل شريك استراتيجي في صياغة المستقبل، وخاصة مع دخول الأردن مرحلة التحديث الشامل للدولة، سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا.

لقاءات سمو ولي العهد مع كبار المسؤولين اليابانيين، وفي مقدمتهم ولي عهد اليابان ورئيس الوزراء، كانت منصّات لصياغة رؤية جديدة للتعاون تقوم على التكنولوجيا، الابتكار، والاقتصاد المعرفي. وهذه إشارات واضحة إلى أن الأردن يخرج من قوقعة العلاقة المانح - المتلقي، نحو علاقة متوازنة قائمة على تبادل المصالح وبناء القدرات. زيارة سموه للجناح الأردني في معرض «إكسبو 2025» المقام في أوساكا، والاحتفال باليوم الوطني الأردني، شكلت رسالة رمزية قوية أن الأردن حاضر على الخريطة الثقافية العالمية، ويمتلك ما يقدمه من تراث، إبداع، وإنسان. الحضور الأردني لم يكن فولكلوريًا فقط، بل هو تعبير عن دولة تؤمن بقوتها الناعمة وبأن الثقافة هي رافعة للتنمية والتواصل الحضاري.

الجزء الأهم في الزيارة تمثل في المحادثات التي تطرقت إلى التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتطوير السياسات المرتبطة بالروبوتات، وهي قضايا شديدة الحداثة تُعبّر عن رؤية استراتيجية تتبناها القيادة الأردنية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس رقمية. إطلاق المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل هو مؤشر على أن ولي العهد يسعى إلى تحويل الأردن إلى مركز إقليمي في تكنولوجيا المستقبل، ليس فقط كمستهلك للتقنيات بل كشريك في صناعتها وتنظيمها أخلاقيًا وتشريعيًا.

وركزت اللقاءات الاقتصادية التي أجراها سموه على تدريب الكوادر الأردنية وتطوير مهارات الشباب، وهو ما يعكس إيمانًا عميقًا بأن النهضة تبدأ من الإنسان، وأن الاستثمار الحقيقي ليس فقط في البنى التحتية، بل في العقول.

زيارة سمو ولي العهد إلى اليابان أعادت تعريف الدور الأردني في العلاقات الدولية، فقدّمت نموذجًا لدبلوماسية ذكية تتكئ على الحاضر وتخاطب المستقبل. إنها زيارة تعبّر عن دولة تؤمن بالحوار، وتخطط لتكون شريكًا فاعلًا في العالم الجديد الذي تصنعه التكنولوجيا والتحولات الجيوسياسية. وهي أيضًا رسالة واضحة أن الأردن، برؤية قيادته الشابة، لا يقف عند حدود ما هو مألوف، بل يطمح لصياغة مستقبل أكثر ابتكارًا، انفتاحًا، واستقلالًا اقتصاديًا؛ فاليابان لم تعد مجرد صديق قديم، بل حليف استراتيجي في معركة التحديث الأردني.

مواضيع قد تهمك