الأخبار

علي حمد المري يكتب : الأردن... حين يصبح الصمت لغة الجمال

علي حمد المري يكتب : الأردن... حين يصبح الصمت لغة الجمال
أخبارنا :  

في الأردن، لا تحتاج إلى كثير من الشرح كي تفهم، فالأرض هناك تتكلم. تهمس الجبال بأسرارها، وتروي الوديان تاريخًا محفورًا في أعماق الزمن، ويقف الزائر بين لحظة دهشة ولحظة تأمل، كأنما دخل عالمًا لا يشبه شيئًا مما عهد من قبل.

هذا البلد العربي العريق لا يكتفي بأن يمنحك مشاهد جميلة، بل يهبك شعورًا نادرًا بالسكينة. من البتراء، مدينة الأنباط، التي تنحني أمامها الحجارة احترامًا للتاريخ، إلى وادي رم، حيث تتصافح النجوم مع رمال الصحراء في صمت مهيب... الأردن ليس مكانًا يُزار، بل ذاكرة تُغرس في القلب.

وفي جرش، كل حجر يحمل نبض حضارة، وفي البحر الميت، تشعر أنك تنجو من ضجيج الحياة، وتُغسل روحك بالسكوت العميق. أما عجلون، فتُريك كيف تصير الطبيعة صلاة، والأشجار سجادة خضراء تمتد من الأرض إلى السماء.

وفي شمال المملكة وجنوبها، تكشف الطبيعة عن تنوع فريد، حيث تمتزج الصحارى بالجبال، والوديان بالأنهار، فتخلق لوحة جغرافية تستحق التأمل. الأردن ليس مجرد وجهة، بل وطن له روح. كل موقع فيه يحمل هوية، وكل زاوية تحكي قصة. من أم قيس إلى العقبة، تتنقل بين طبقات من التاريخ وجمال منقطع النظير.

لكن أعظم ما في الأردن، ليس في طبيعته فقط، بل في إنسانيته. في وجه الأردني، تجد كرم البداوة ونُبل المدينة، وفي حديثه ترى مزيج الحكمة والبساطة. هناك شعور بالألفة، لا تصطنعه الكلمات ولا ترتبه البروتوكولات، بل يخرج من القلب إلى القلب. الأردني لا يراك سائحًا، بل ضيفًا له حق في الود والترحيب.

وهذا البلد، برغم محدودية موارده، يمتلك ثروة لا تُشترى: الكرامة. كرامة الأرض، وكرامة الإنسان، وكرامة التاريخ الذي لا يصدأ. إنه بلد صامد بجماله، نقي برسالته، عربي بروحه حتى النخاع.

في زمن تزدحم فيه الوجهات، يبقى الأردن مختلفًا... لأنه لا ينافس على العدد، بل يراهن على الأثر. ولأنه لا يصرخ بحضوره، بل يهمس بجماله، ويفوز دائمًا. من يزره مرة، يعرف أنه زار وطنًا لا يُنسى، ويغادر وهو يحمل بين ضلوعه حنينًا لا يخفت.

وفي كل رحلة في ربوع الأردن، تجد نفسك أمام تناغم فريد بين الأرض والإنسان. الطبيعة هناك ليست مجرد مشهد، بل إحساس يُلامسك ويعانقك بصمت. الجبال تروي حكايات من الصمود، والوديان تتدفق بالحياة، والمواقع الأثرية لا تزال تنبض بروح من شيدها قبل آلاف السنين.

ولعل أجمل ما يميز الأردن هو قدرته على احتضان الزائر دون أن يتخلى عن هويته. ففي كل خطوة تخطوها، تشعر أن هذا الوطن يحترم تاريخه، ويحتفي بزواره، ويؤمن بأن الجمال الحقيقي لا يُصنع، بل يُولد من الأرض والناس.

من يزور الأردن لا يرى فقط، بل يشعر، ويتأمل، ويعود إلى ذاته أكثر هدوءًا وامتلاءً. إنه بلد لا يُغادرك حتى بعد أن تغادره، لأن ما يمنحه لك يتجاوز حدود الصورة... إنه أثر يبقى.

مواضيع قد تهمك