الأخبار

د. محمد الرصاعي : تدخل السياسيين في الجامعات

د. محمد الرصاعي : تدخل السياسيين في الجامعات
أخبارنا :  

رغم أنَّ الكثير من الجامعات في العالم هي جامعات حكومية، غير أنَّ المتعارف عليه أنها مؤسسات مستقلة ولا تتلقى أية توجيهات أو تعليمات من الإدارة الحكومية أو رموز السلطة في الدولة، ويتأتى ذلك من قدرتها الفذة على إدارة مواردها البشرية والمادية بكفاءة عالية تتحقق من خلال العقول المستنيرة والخبرات الواسعة التي يمتلكها العاملون في الجامعات من النخب الأكاديمية والعلماء، الذين يشكلون عقل الدولة، فالجامعات بيوت الخبرة، وماكينات التنمية في المجتمعات، لذلك تحرص الحكومات على تقديم الدعم المالي الكبير للجامعات لمساعدتها ?لى تحقيق أهدافها التي هي أهداف الدولة، دون أدنى تدخل في شؤونها الإدارية والمالية.

ولكن في حالة غير مسبوقة للسياسة الأميركية في إدارة العلاقة مع المؤسسات الأكاديمية طالب الرئيس ترامب إدارات الجامعات الأميركية بتعديل سياسات القبول، وإعادة ضبط الإدارة المالية لديها، كما أجبر بعض الجامعات على إتخاذ إجراءات ضد الطلبة الذين تظاهروا ضد الممارسات الوحشية الإسرائيلية في غزة، واتهم الرئيس ترامب الجامعات بالتساهل مع معاداة السامية، وهددها بوقف التمويل، وإلغاء الإعفاءات الضريبية لها، ومنعها من تسجيل طلبة أجانب، وكذلك محاولة التأثير على سياسات وأساليب التدريس فيها، وانتقاد محتوى المناهج الدراسية. ال?يء الذي دفع عدداً كبيراً من الجامعات الأميركية لإصدار بيان مشترك رفضت فيه التدخل السياسي لإدارة الرئيس ترامب في النظام التعليمي، ووقع البيان ما يزيد على (170) من رؤساء الجامعات والمؤسسات التعليمية، وأشاروا إلى أن التخلي عن الاستقلال الأكاديمي، بما يشمل حرية تقرير سياسات القبول والتوظيف والمناهج الدراسية وأساليب التدريس، يمثل بالنسبة لهم خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.

وفي خطوة إضافية رفعت جامعة هارفرد دعوة قضائية ضد الحكومة الفيدرالية بسبب تجميدها التمويل الفيدرالي للجامعة والبالغ (2.3) مليار دولار، وأعلنت رفضها المطالب غير القانونية للحكومة الفيدرالية المتمثلة في إجراء الإدارة الحكومية تحقيقاً حول بعض الممارسات التعليمية داخل الجامعة، والمطالبة بالإشراف على اتحاد الطلبة، والتدخل في آليات توظيف أعضاء هيئة التدريس، واختيار المناهج الدراسية.

لقد حرصت الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر في طليعة دول العالم في التميز الأكاديمي والبحثي عبر تاريخها الطويل على المحافظة على استقلال الجامعات وتهيئة أسباب دعمها مالياً، ولكن ما يحدث الآن من ممارسات للإدارة الأميركية برئاسة ترامب هو خروج على أهم المبادئ الأميركية، ويرى البعض أن التدخل السياسي في الجامعات يحد من الحريات الأكاديمية التي هي أحد أهم أشكال الحرية والديمقراطية، التي كانت سبباً في سيادة الولايات المتحدة الأميركية عالمياً ومكنتها من أن تكون الدولة الأعظم والأقوى في كافة المجالات، حيث عملت الح?ية الأكاديمية على استقطاب المبدعين والمتميزين في العالم من العلماء والباحثين ليكونوا رصيداً إضافياً ونوعياً للحضارة الأميركية.

إنَّ استقلال الجامعات وتعميق الإدارة الذاتية في مؤسسات التعليم العالي مبادئ لا يجب المساس بها في أي دولة تحترم علماءها، وتقدر أدوارهم الكبيرة في المجتمع، لذلك يعتبر حجم وشكل التدخل السياسي في الجامعات مؤشراً على مستوى الحريات في الدولة، ويعبر عن حجم الفرص المتاحة من قبلها لتوسيع مساحات الإبداع والإبتكار والتميز.

Rsaaie.mohmed@gmail.com

مواضيع قد تهمك