الأخبار

أ. د. وائل عبد الرحمن التل : الكتاب الجامعي: (5-1) بدايات الجَودة

أ. د. وائل عبد الرحمن التل : الكتاب الجامعي: (51) بدايات الجَودة
أخبارنا :  

شَهِدَ التّعليمُ العالي، عالمياً، منذ منتصف ثمانينيّات القَرن العشرين اهتماماً «رسميّاً» مُتزايداً بتقويم وضَبط وضَمان جَوْدَته نتيجة عوامل متعددة مثل: التوسّع في إنشاء الجامعات، والزّيادة في أعداد الطلبة المقبولين فيها، ودخول القطاع الخاص مجال الاستثمار بالتّعليم العالي، وظهور أنماطٍ جديدةٍ للتّعليم، والتّغير في الحاجات والمُتطلبات والمَهارات، والتّدويل، وتعزيز السُّمعة المؤسّسية وزيادة التنافسيّة. وكانت هولندا أولى دول الاتحاد الأوروبي التي قامت بتطويرِ نظامٍ «رسميٍّ» لتقويم جَودة التّعليم، «وثيقة استقلالية وجَودة التّعليم العالي»، والتي بدأت جامعاتُها بتطبيقه عام 1986م من حيث: أهداف البرامج التّعليمية وبُنْيَتها ومُحتواها، والمعلومات المتعلقة بالطلبة وبالموظفين، والبيانات المتعلقة بمعدّلات التّخرج، ومسألة التّدويل، وإدارة الجَودة الدّاخلية. ثم في فرنسا تحوّلت «اللجنة الوطنيّة لتقييم المؤسّسات العامّة للتّعليم المهني والثّقافي والعِلمي» إلى سُلْطَةٍ مُستقلّةٍ عام 1989م لتتولى مسؤولية تقييم كافة أنشطة الجامعات والوسائل المُطبَّقة فيها لاكتساب المعارف والتّدريس وتدريب المعلمين وإدارة العاملين والأقسام وبيئة العمل واستقبال ومتابعة الطلبة والاندماج المحلي والسُّمعة الوطنيّة والدوليّة. ثمّ في النّمسا دخل «قانون التّنظيم الجامعي» حيّز التنفيذ عام 1997م لضَمان الجَودة في القطاع الجامعي وتطوير الإجراءات التّقييمية وتقييم الأبحاث والمنهج الدّراسي وأداء المحاضرات. كما بدأت ألمانيا في الفترة نفسها أولى مبادرات التّقويم للارتقاء بمستوى الجَودة والتّنافس من حيث زيادة الشّفافية، وتعزيز المسؤولية المؤسّسية، ودعم مؤسّسات التّعليم العالي. لكنّ الجُهد المبذول في المملكة المتّحدة «إنجلترا، اسكتلندا، إيرلندا، ويلز» لضَمان الجَودة جعل منها أكثر دول الاتحاد الأوروبي اهتماماً بجَودة التّعليم العالي، حيث يعمل مجلس جَودة التّعليم العالي منذ عام 1992م، ثم وكالة ضَمان جَودة التّعليم العالي منذ عام 1997م، على تقييم نوعيّة التدريس، ووضعت إطاراً للمُؤهلات، كما وضعت بيانات معايير المواد الدراسيّة، وأَتْبَعَت هذه بمساعٍ وتدابير بهدف تأكيد الحفاظ على المعايير الأكاديمية لمنح الدّرجات العلميّة والمُؤهلات، وضَمان إدارتها الجيّدة، وجَودة فرص التّعليم المقدّمة في البرامج الدراسيّة، وتعزيز جَودة برامج أبحاث الدّراسات العليا، وتطوير وتعزيز جَودة التّعليم والتدريس والتّقييم، والتعامل السّريع والتّحسين الفعّال في حال وجودِ ضَعفٍ أو قصورٍ في إدارة المعايير الأكاديمية في هذه المؤسّسات وجَودة مُخرجاتها.
هذا التطوّر انعكس إيجاباً على التّعليم العالي في الوطن العربي، بخاصّة بعد إنشاء الأمانة العامّة لاتحاد الجامعات العربيّة عام 2006م مجلسَاً لضَمان الجَودة والاعتماد للجامعات العربيّة، حيث حدّدَ هذا المجلسُ للجَودة أحدَ عَشَرَ معياراً، وقام ببناء مقاييس ومُؤشّرات لكلّ معيار، كما أنشأت دول مجلس التّعاون الخليجي عدداً من مجالس ضَمان الجَودة والاعتماد، ويرتبط بعضُها بمجالس اعتماد دوليّة، كذلك قامت هيئاتٌ للاعتماد الأكاديمي في عدد من الدول العربيّة ببناء مقاييس خاصة بها لقياس مستوى تحقّق معايير الجَودة بمؤسّسات التّعليم العالي فيها.
وللحقيقة، فإنّ الجامعات بدول أوروبا التي أشرتُ إليها، وبعض الجامعات العربيّة، ومنها آنذاك «منتصف ثمانينيّات القَرن العشرين» الجامعات الأردنيّة الحكوميّة الأربع «الأردنيّة، اليرموك، مؤتة، العلوم والتكنولوجيا»، قد تمكّنت قبل بدايات الاهتمام بوجودِ نظامٍ «رسميٍّ» لتقويم جَودة التّعليم العالي من تعزيز سُمعتها المؤسّسية وزيادة التنافسيّة فيها، وذلك بتحقيقها الحَراك التّعليمي في مختلف مكوّناتها المؤسّسية، وبما كانت تَمتلكُهُ من قياداتٍ وقُدرات وكفاءات وخبرات إداريّة وكفايات مهنيّة وفنيّة، وبما كانت تَكتَنِزْهُ من علماء ومفكّرين وفلاسفة متخصّصين ومن مَرجعيّاتٍ تَنظيريّةٍ قادرةٍ على استشراف التوجّهات المُستقبليّة في التّعليم العالي، وبما توافرت فيها من برامج تعليميّة جيّدة في أهدافها وبُنيتها ومحتوها، وباستخدام استراتيجيات تدريس تتناسب مع مختلف أنواع مُخرجات التعلّم التي تستهدفها هذه البرامج، ومن مكتباتٍ متميّزة فيها، وبإزالة كلّ ما كان يعترضُ مسيرتها من عَوائق ومُعيقات.
أخيراً: إنّ وكالات ومجالس ضَمان جَودة التّعليم العالي وهيئات الاعتماد، ومع بدايات الجَودة، قد اعتَنَت بالكتاب الجامعي، بشكل مباشر في معيارٍ مستقل، أو غير مباشر مُتَضَمَّنٌ غالباً في معيار «التعلّم والتّعليم» ومعيار «مصادر التعلّم»، مع اختلافٍ في مُسمّيات بعض هذه المعايير بين دولة وأخرى؛ فمن جهةٍ لضَمان معياريّة جَودة الكتاب الجامعي «تأليفاً، واختياراً»، ومن جهةٍ ثانيةٍ لضَمان استمراريّة عملية تقويم جَودته، ومن جهةٍ ثالثةٍ لضَمان تحقيقه أهداف عمليتي التعلّم والتّعليم ونواتج التعلّم المُستهدفة في برامجها، وللحديث بقيّة في الكتاب الجامعي: (5-2) مَحكّاتٌ وتَحدّياتٌ. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك