الدكتور محمد عبد السنار جرادات : في مسار التحول الوطني الشامل

تمضي الحكومة بخطى ثابتة في تنفيذ البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، المشروع الوطني الطموح الذي أُطلق برعاية ملكية سامية ليشكل خارطة طريق للمستقبل الأردني حتى عام 2033، وفي أحدث مؤشرات الأداء، أظهرت البيانات أن الحكومة أنجزت 28.8% من أولويات البرنامج منذ بدء تنفيذه مطلع عام 2023 وحتى نهاية الربع الأول من العام الحالي، وهو ما يعكس التزاما فعليا من الدولة بتطبيق الرؤية وتحقيق أهدافها وفق الجدول الزمني المحدد.
اللافت في هذه النتائج أن حجم الإنجاز جاء متوزعًا على عدة محركات تنموية، أبرزها محرك الصناعات عالية القيمة، الذي شهد تنفيذ 49 أولوية، ثم محرك الخدمات المستقبلية بـ33 أولوية، ومحرك الموارد المستدامة بـ22 أولوية، ويعكس هذا التوزيع التنوع في مسارات العمل، حيث تتجه الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية الحديثة التي تشكّل قاطرة للنمو الاقتصادي المستدام، إلى جانب الاستثمار في قطاعات حيوية كالتكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والابتكار.
ولا تقتصر مؤشرات النجاح على ما تم إنجازه فقط، بل تمتد إلى الأولويات قيد التنفيذ، التي وصلت نسبتها إلى 65.7% من إجمالي البرنامج، وهو ما يؤكد أن غالبية المشاريع والمبادرات دخلت فعليًا حيّز العمل، ما يبشّر بمرحلة قادمة أكثر زخما، كما تشير الأرقام إلى تراجع نسبة الأولويات المتأخرة وغير المنفذة إلى أدنى مستوياتها، في دلالة على مرونة الحكومة في تجاوز التحديات التشغيلية والإجرائية المصاحبة لمشاريع بهذا الحجم.
الأهم من ذلك، أن تخصيص الحكومة 734 مليون دينار لبرنامج الرؤية في موازنة 2024، مقارنة بـ670 مليون في العام السابق، يعكس إيمان الدولة العميق بهذا المشروع كأحد أعمدة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وحرصها على تهيئة بيئة تمويلية داعمة لتنفيذ المبادرات بأعلى مستويات الكفاءة والجدوى.
وإذا كانت بعض المحركات كالصناعات عالية القيمة والخدمات المستقبلية قد حظيت بنسب إنجاز مرتفعة، فإن التقدم المتحقق في محركات الريادة والإبداع، والاستثمار، وبيئة مستدامة، يعد بمثابة قاعدة انطلاق جديدة لمرحلة ثانية من الإنجاز، ستشهد وفق الخطط الحكومية تسارعا أكبر خلال العامين المقبلين، فالحكومة أدركت أهمية توزيع الجهد التنموي بشكل متوازن ليشمل كل القطاعات، وهو ما يتجلى في توسع المشاريع قيد التنفيذ في محركات نوعية الحياة والموارد المستدامة.
هذه الأرقام والمؤشرات لا تعني أن الطريق خالٍ من التحديات، فبرامج التحديث والإصلاح في الدول غالبًا ما تواجه ممانعة طبيعية، أو بطءًا في وتيرة التنفيذ نتيجة عوامل إدارية أو تمويلية أو تشريعية، لكن قدرة الحكومة على تجاوز التحديات وتحقيق هذا المستوى من الإنجاز في فترة زمنية قصيرة، يعكس نضوج التجربة الأردنية، ووعي المؤسسات الرسمية بأهمية التحول الاقتصادي والاجتماعي، وضرورة مواكبة التطورات الإقليمية والعالمية.
ما تحقق حتى الآن يؤسس لمرحلة أكثر استقرارا ووضوحا، عنوانها تعزيز الإنتاجية، وتمكين الشباب، وتحفيز ريادة الأعمال، وتحسين الخدمات العامة، ولا شك أن استمرار هذا الزخم سيترك أثرا إيجابيا ملموسا على معيشة المواطن الأردني خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة مع اقتراب استكمال مشاريع في قطاعات حيوية تمس حياة الناس اليومية.
رؤية التحديث الاقتصادي ليست مجرد أرقام وإنجازات مؤسسية، بل مشروع وطني يستند إلى إرادة سياسية راسخة، وشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وما تحقق حتى اليوم هو خطوة أولى واثقة نحو اقتصاد أردني أكثر حداثة وكفاءة واستدامة، في مشهد يتطلب من الجميع الإيمان بالفرصة التاريخية، والعمل بروح الفريق لإنجاح هذه الرؤية التي ستبقى علامة فارقة في مسيرة الأردن الحديث.