الأخبار

د . صالح ارشيدات يكتب : الأطماع الإسرائيلية في سوريا: حماية الدروز والأكراد ذريعة

د . صالح ارشيدات يكتب : الأطماع الإسرائيلية في سوريا: حماية الدروز والأكراد ذريعة
أخبارنا :  

لطالما شكّلت سوريا محورًا استراتيجيًا في معادلات الصراع الإقليمي والدولي، ولم تكن الأطماع الإسرائيلية في أراضيها وليدة السنوات الأخيرة، بل تمتد جذورها إلى عقود مضت، بدأت منذ احتلال الجولان عام 1967، وتعززت مع استمرار الصراع السوري الداخلي الذي بدأ في عام 2011. في هذا السياق، تحاول إسرائيل اليوم توظيف الورقة الطائفية والعرقية في سوريا، من خلال الزعم بحماية الأقليات، لا سيما الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال، كغطاء للتدخل السياسي والعسكري، ولتوسيع نفوذها، وربما لضم أراضٍ سورية إضافية إلى كيانها، خاصة في منطقة الجولان وجبل الشيخ.(ممر داود من الجولان إلى دير الزور)

بداية الأطماع: الجولان وجبل الشيخ في عين إسرائيل
منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية في يونيو 1967 خلال حرب الأيام الستة، أصبحت هذه المنطقة الجغرافية والعسكرية ذات الأهمية الكبرى هدفًا إسرائيليًا واضحًا. فإلى جانب موقعها الاستراتيجي المطل على شمال فلسطين وجنوب لبنان وجنوب غرب سوريا، تعتبر الجولان مصدرًا هامًا للمياه، وخاصة نبع بانياس الذي يغذي نهر الأردن، ما يضفي بعدًا اقتصاديًا ومائيًا على الاحتلال.

في عام 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان رسميًا إلى أراضيها، رغم الرفض الدولي الواسع لذلك، وقرار مجلس الأمن رقم 497 الذي اعتبر القرار الإسرائيلي لاغيًا ولا قيمة قانونية له. إلا أن ما تغير لاحقًا هو التصعيد في محاولات فرض الأمر الواقع، وصولًا إلى اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2019 بسيادة إسرائيل على الجولان، وهو ما شجّع إسرائيل على التفكير في خطوات توسعية جديدة.

ومن ضمن المناطق الطامحة إسرائيل لضمها تأتي منطقة جبل الشيخ، وهي منطقة جبلية تقع على تقاطع الحدود بين سوريا ولبنان وإسرائيل. لطالما نظرت إليها إسرائيل باعتبارها جزءًا من عمقها الدفاعي وركنًا استراتيجيًا في منظومتها الأمنية، خاصة مع سيطرة الجيش السوري وحزب الله اللبناني على أجزاء منها خلال العقود الماضية.

استغلال الانقسام الداخلي السوري.
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، وجدت إسرائيل فرصة سانحة لتكثيف تدخلها غير المباشر في الشأن السوري، مستفيدة من حالة الانقسام، وتراجع سلطة الدولة المركزية في كثير من المناطق. ومن أبرز أدوات هذا التدخل، الادعاء بحماية الأقليات، وعلى رأسهم الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال.

الدروز في جنوب سوريا: ورقة ضغط وأداة تدخل.
تشكل الطائفة الدرزية أقلية مهمة في سوريا، تتركز بشكل أساسي في محافظة السويداء وجبل العرب. ومع أن هذه الطائفة حافظت تاريخيًا على علاقات وطنية مع الدولة السورية، فإن إسرائيل سعت مؤخرًا إلى تقديم نفسها كـ”حامية” للدروز، مستخدمة خطابًا مزدوجًا، تارة بدعوى حماية حقوق الإنسان، وتارة بذريعة وجود تهديدات من الجماعات المتطرفة.

وقد صعّدت إسرائيل من تصريحاتها وتحركاتها بعد عام 2018، حين بدأ الجيش السوري يتقدم لاستعادة الجنوب السوري. فبدأت شخصيات سياسية وأمنية إسرائيلية – من بينها أعضاء في الكنيست ينتمون للطائفة الدرزية – تطالب بتدخل لحماية دروز سوريا، حتى لو تطلب الأمر تدخلاً عسكريًا مباشرًا، أو إقامة "منطقة عازلة” داخل الأراضي السورية، تحت إشراف إسرائيل أو حلفائها. وهي خطوة تتجاوز الجانب الإنساني، وتكشف عن نوايا لإقامة منطقة نفوذ دائمة تسمح بتوسيع السيطرة الجغرافية الإسرائيلية على الحدود الشمالية.

الأكراد في الشمال السوري: سيناريو مشابه بمقاييس مختلفة.
الملف الكردي في شمال سوريا لا يقل تعقيدًا عن الملف الدرزي في الجنوب. فمع تصاعد الحرب ضد تنظيم "داعش”، تحوّلت القوات الكردية إلى لاعب أساسي بدعم من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن العلاقة بين الأكراد وإسرائيل لم تكن واضحة المعالم في البداية، فإن السنوات الأخيرة شهدت تقاربًا ملحوظًا في المواقف، وتلميحات إسرائيلية متكررة لدعم استقلال كردي في شمال سوريا، باعتباره "توازنًا” في مواجهة ما تعتبره إسرائيل محورًا إيرانيًا يمتد من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق.

وقد برزت ملامح هذا التقارب في تصريحات مسؤولين إسرائيليين أعربوا فيها عن تأييدهم لإقامة كيان كردي مستقل، ليس فقط في العراق بل في سوريا أيضًا، وهو ما يهدد بتفكيك البلاد وخلق جيوب طائفية وعرقية تحت رعاية إقليمية ودولية.

تفتيت سوريا هدف استراتيجي.
إن ما يجمع بين الخطاب الإسرائيلي تجاه الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال، هو الرغبة في إضعاف الدولة السورية المركزية، ومن ثم تسهيل إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة بما يخدم الأمن القومي الإسرائيلي. فكلما زادت الفوضى والانقسامات داخل سوريا، كلما تقلصت قدرة دمشق على استعادة الجولان، أو حتى الدفاع عن حدودها مع فلسطين المحتلة.

تسعى إسرائيل، عبر هذه السياسات، إلى ترسيخ واقع جديد على الأرض، ليس فقط من خلال التوسع الجغرافي، بل أيضًا عبر فرض أمر واقع ديمغرافي وأمني، يسمح لها بربط المناطق الحدودية بأمنها المباشر، وقطع طرق الإمداد لحزب الله وإيران عبر سوريا، وتوسيع نفوذها في منطقة جبل الشيخ الاستراتيجية.

أمثلة على التصعيد الإسرائيلي.
في عام 2015، قصفت إسرائيل مواقع سورية بالقرب من جبل الشيخ، بزعم الرد على إطلاق نار تجاه الأراضي المحتلة، وكانت تلك رسالة واضحة مفادها أن المنطقة تعتبرها إسرائيل ضمن نطاق مصالحها الأمنية المباشرة.

في عام 2020، نشرت تقارير استخباراتية عن اتصالات غير رسمية بين إسرائيل وبعض وجهاء الدروز في السويداء، وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول محاولات شراء ولاءات محلية تمهيدًا لإقامة منطقة عازلة أو حكم ذاتي تحت النفوذ الإسرائيلي.

وفي السنوات الأخيرة، نفذت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مواقع سورية وإيرانية داخل العمق السوري، بحجة منع تسلح حزب الله أو استهداف مخازن أسلحة، لكنها في الحقيقة تمثل سياسة ممنهجة لتقويض أي نفوذ مركزي قوي في سوريا قد يهدد الهيمنة الإسرائيلية.

الذرائع لا تُخفي النوايا.
إن ادعاءات إسرائيل بحماية الأقليات في سوريا ليست سوى غطاء لأجندة استراتيجية واضحة، تهدف إلى تفتيت سوريا، وإعادة ترسيم حدودها وفق مصلحة إسرائيل. ويُعد استغلال الحالة الطائفية والعرقية جزءًا من سياسة مدروسة لتفريغ المنطقة من تماسكها الوطني، وتحويلها إلى فسيفساء من الكيانات الضعيفة والمرتبطة بالمصالح الأجنبية.

على صناع القرار في العالم العربي والدولي أن يدركوا أن أمن المنطقة لا يمكن أن يُبنى على تفكيك الدول وتغذية الانقسامات. أما الشعب السوري، فرغم المعاناة التي يعيشها، ما زال يملك إرادة الصمود والوحدة، وهو وحده القادر على إفشال هذه المخططات، إذا ما توفرت له الظروف والدعم الحقيقي.

مواضيع قد تهمك