محمد عبد الجبار الزبن : الوعي المجتمعيّ بين الضرورة الشرعية واللازم الوطنيّ

في الحياة صراع بين النقيضين: الخير والشرّ، الصواب والخطأ، النفع والضرر، وبين الحق بجميع جوانبه وعلى النقيض منه: الباطل بجميع جوانبه. وإنه لن يخلو زمان ولا مكان من الصراع بين النقيضين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
سوى أننا ملزمون بالسعي الجادّ والحثيث، لزرع بذر الخير في طريقنا ولمن يأتي من بعدنا سالكا ذات الطريق، وملزمون بقلع شوك الشر من طريقنا ورميه بعيدا عن طريقنا وطريق كلّ السالكين ممن يأتون بعدنا، مهما كلّفنا ذلك من سهر وعناء وبذل المهج والأرواح، ذلك أنه: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون.
ومما يعبرون يه عن الخير: الثمر والزهر، وعن الشر: الشوك والحنظل، وشتان بين أصناف الخير وأصناف الشر، وبين اللازم لكل منهما ومن نتائجهما، لأجل ذلك نجد أنفسنا أننا أمام لوازم ديمومة الحياة بحاجة حين البناء إلى الوقاية من الوقيعة في الشر وفي شباك أهله، وهذه الوقاية تقوم على أكناف العقلاء في كل زمان ومكان الذين ينبرون لبيان الفاصل بين الخير بأنواعه، والشر بألوانه، فيأمرون بالخير ويحذرون من الشر، وهذا الواجب إذا لم يقم به العقلاء، فإن سيل العرم سيجرف ما وراء السدّ غير مُبقٍ على خير أمامه، وسيعجز الناس من البدء ما دون الصفر بعده، ألم تر كيف أن أهل سدّ مأرب فارقوا الديار بعد انهيار سدهم، علما أن الأمر بدأ وبدا في أول وهلة أنه لن يتعدى أن يكون خرقا يمكن إصلاحه بأي وقت، إلا أن النتائج جاءت على غير المعهود تماما.
وإننا إذ نعيش في خضم أحداث إقليمية ودولية، جعلت منا في الأردن أنموذجا فريدا على مَر قرنٍ من الزمان، فذلك مدعاة للعمل الدؤوب، فنزيد من السهر، ونبذل قصارى جهدنا أكثر وأكثر، لأجل أداء الأمانة التي وكلنا بها يوم تسلمنا تراب أوطاننا، فنسلمها لأحفادنا أكثر أمن وأجمل طلعة وأبهى حلّة في نسيج الوطن، وأعلى درجة بين الدول، وأقرب في الوئام والمودة والألفة، وأمتن في الوصال، وأغنى بالعِلم، وأتقن بالعمل.
ولتحقيق ما نتطلع إليه في أردننا، من صدّ لكلّ التحديات، وللوقوف أمام عواصف الأيام، وللحذر مما يطلبه الأعداء، وللنمو الذي يطلبه الأبناء، وغير ذلك من الضرورات الشرعية التي أمرنا الله في العناية بها، والقضايا اللازم تحقيقها كواجب وطنيّ، يجب علينا في ذلك كلّه أن نحقق: (الوعي).
ومع أنّ الوعيَ كلمة سلسة وكثير منا يدعيها، إلا أننا نتفاجأ أحيانا من أنّ البعض منا لا يستشعر حاجتنا الدائمة لزيادة الوعي المجتمعي، وأنها ما بين ضرورة شرعية ملحة وبين لازمة من لوازم تحقيق الانتماء إلى الوطن.
فالحياة تتجدد بتقنياتها، وبصناعاتها وأساليب فهم الحياة، مما يعنينا جميعا زيادة الوعي، لندرك طموحاتنا، وندرك أسواق الربح فنحن في منافسة لتحقيق أسمى المراتب على الصعيدين الشخصي والمجتمعيّ. كما زيادة الوعي لا تعني بحال من الأحوال تسفيها أو تقليلا أو مساسا في كينونة أحد، بل.. إنّ المناداة بالوعي هي من الوعي نفسه.
وأما إذا كان الوعي مرتبطا بالمجتمع، فإنه يصبح ضرورة لا ينفك عنها الإنسان بصرف النظر عن مكانته المجتمعية، فهو يشكل جزءًا من هذا النسيج، كما أنه يعيش على تراب الوطن، مما يعني أنه بالوعي يصبح فاعلا في ميدان الخير، بعيدا عن حفرة الشرّ.
ومما يرتبط بالوعي: (حبّ الوطن) هذه الأنشودة التي ترفرف معنا منذ الصفوف المدرسية الأولى خفاقة في سماء المدرسة في سماء الوطن، مع الأيام قد يفهمها البعض أنها لم تعد سوى أنشودة مضت مع الطفولة، ونسي أنها انغرست مع الطفولة لتبقى – بعد عمر طويل- إرثا لأبنائنا الصغار.
فحبّ الأوطان ليس تمرا أنت آكله بل هي الثمر الذي لا ينضب، وليس الوطن ظلال شجرة مررت بها يوما في طريقك بل هو الطريق وهو المقصد، وليس الوطن سراب تأتيه من بعيد بل هو النبع الصافي الذي نملأ منه قلوبنا بالبسمة وعيوننا بالفرحة وجبيننا بالشموخ، وليس الوطن مجاملة بيني وبينك بل هو جبل نرتقيه سوية لنطلّ من خلاله على العالم، وليس الوطن موطئ قدم لفكرة يعيش عليها سين من الناس، بل الوطن كتاب مليء بالحكمة غنيّ بتراثه عظيم برجالاته هو تاج على رؤوسنا يحملنا بحبّ ونعيش على حبّه..
إنه الأردنّ، قد شربنا محبته في يومنا الأول في هذه الدنيا، وعلى العهد ماضون.
ــ الراي