الأخبار

حسام عايش : انقلاب في معنى العمل

حسام عايش : انقلاب في معنى العمل
أخبارنا :  

يأتي عيد العمال هذا العام، في ظل انقلاب في معنى العمل يفرضه تطور الذكاء الاصطناعي، الذي بات يُهدد ملايين الوظائف حول العالم، ويُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والعمل، ما يطرح السؤال حول كيف يمكن تحقيق التوازن بين الإنسان العامل والتقنيات الذكية التي تكتسح سوق العمل؟

بحسب تقديرات مؤسسات مالية واقتصادية دولية، فإن ما يصل إلى300 مليون وظيفة حول العالم معرضة لخطر الاستغناء عنها بسبب الذكاء الاصطناعي. وأن نحو ثلثي الوظائف في اقتصادات الشمال المتقدمة قد تتأثر بالاتمتة، مقارنة بـ بريع الوظائف فقط في الدول النامية-ما يعكس ويرسخ فجوة رقمية واقتصادية تهدد بمزيد من التهميش لبلدان الجنوب- مع توقع اضطرار نحو14% من القوى العاملة العالمية لتغيير وظائفها خلال السنوات الخمس القادمة، نتيجة تسارع الاعتماد على الاتمتة والذكاء الاصطناعي في المهام التشغيلية.

الشريحة الأكثر تاثرا بهذا التحول الذكي، هي الشريحة العمرية 24 عاما واقل، اذ ان اكثر من نصف اعضائها يخشون على مستقبلهم المهني، يشاركهم في ذلك، نحو ثلث اصحاب الدخول المنخفضة، ما يكشف عن بعد اجتماعي عميق لهذا التحول، قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية المتفاقمة اصلا داخل المجتمع الواحد ما لم يتم تدارك الامر بسياسات ذكية عادلة.

لذلك، تقف الحركة العمالية، امام تحد يستدعي إعادة تعريف العمل في العصر الرقمي، وتعزيز التضامن المهني والاجتماعي، اي ان تتحول الحركة العمالية الى قوة تغيير ذكي، تطرح رؤى وسياسات تضمن حقوق العمال المهنية في عصر الذكاء الاصطناعي عبر الدعوة لسياسات تدريب تقنية متقدمة تشمل البرمجة وتحليل البيانات. وصياغة اطر قانونية تحمي العمال من التسريح الجماعي الذكي، وتضمن اجورا عادلة لهم، وتتعاون مع الجامعات والمعاهد لتحديث المناهج بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل الجديد، وتركز على زيادة مهارات العاملين ذوي الدخل المحدود من خلال برامج تأهيل متخصصة وشاملة.

الخطر لا يكمن فقط في فقدان الوظائف، او بروز انواع جديدة من البطالة كالبطالة الانتقالية- ناتجة اعادة توزيع الادوار في سوق العمل عبر انتقال العمال من وظائف تقليدية إلى وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، اي ارتفاع الطلب على مهارات كإدارة الأنظمة الذكية، والتفكير النقدي وانخفاض المشاركة في وظائف تقليدية ومتكررة يمكن أتمتتها-او البطالة الروبوتية Robotic Unemployment- حيث تستبعد القوى البشرية من العمل بسبب الاحلال الكامل للروبوتات - بل من غياب سياسات توزيع عادلة لعوائد الذكاء الاصطناعي تحد من تفاقم لا مساواة اقتصادية متوقعة غير مسبوقة، خصوصا إن لم تُقر تشريعات تضمن تقاسم مكاسب الاتمتة-مثل فرض ضرائب على الروبوتات- وربط توظيف الالة الذكية بشبكات حماية اجتماعية وتعويضات عادلة؛ بما في ذلك الحق في دخل أساسي في ظل تقلص الوظائف التقليدية، وضمان التعليم والتدريب المستمر مدى الحياة، وحماية الحقوق الرقمية للعمال كما نحمي أجورهم، وأمانهم الوظيفي، وتحقيق المساواة الجندرية كجزء من العدالة الاقتصادية.

في عصر تُعاد فيه كتابة قواعد العمل الذكي، وحتى لا نصل الى زمن يتم فيه الاحتفال بعيد العمال الروبوتيين، لم يعد بوسع الحركة العمالية أن تقف متفرجة، بل يجب أن تتحول إلى قوة ابتكار اجتماعي وتنظيمي ذكي، لان الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موجة مؤقتة، بل تحول تاريخي يعيد تشكيل أسواق العمل، ويضع الافراد والمؤسسات والحكومات أمام مفترق طرق حقيقي.

المعادلة الجديدة، لم تعد تقتصر على الحفاظ على الوظائف، بل على القدرة على التكيّف، والتعلم، وإعادة بناء المهارات باستمرار، ما يعني ان الرسالة الأهم، ان مستقبل العمل لن يكون لمن يتجنب الذكاء الاصطناعي؛ بل لمن يُحسن استخدامه.

مواضيع قد تهمك