خلدون ذيب النعيي : في الأول من أيار: اليد التي تعمر للمجد حكاية

«هاي يا عمي مية وجهي اللي حاشمتني في هذه الحياة، هي اللي مو دافعتني احتاج اخوي ابن امي وابوي، بس اقصد ربي وادعيه واقول فضلك يا للي ما تفرغ خزائنه «...، بهذا الكلمات أذكر أن جارنا ابو احمد اجابني عندما سالته في طفولتي عندما رأيته وهو ذاهب لعمله في صباح تشريني رياحه الشرقية الباردة تنخر الاجساد «عطول بشوفك يا عمي حامل هالقفة السوداء ابو اذان اثنين»، ومن وقتها كلما يحضر الأول من أيار من كل عام بعيده العمالي يحضر بالبال كلام ابو احمد الذي لا ينسى وأترحم عليه وأحدث نفسي لو قفة ابو أحمد موجودة لتكلمت بصمت عن حياتها مع صاحبها التي رغم ملؤها بالتعب والجهد فقد عزت صاحبها بعرقه وأوت عائلته وحفظته بكرامة حتى بذكراه بعد أن لاقى وجه ربه الكريم.
وليس بعيداً عن ابو أحمد نرى بين الحين والاخر من يكتب على عربته المتجولة التي يسترزق منها كل صباح أو على شاحنته التي يجوب الصحاري والبلدان في رحلة شقاء لينفق على عائلته كلمات على غرار «أم العيال» او «الشيخة» او المزيونة» وغيرها، فتراه يدلل عربته وشاحنته بدوام النظافة والتفقد بل اعرف صديق لي يعمل سائق شاحنة يحمل حقيبة يسميها «غرفة مكياج الأمورة» تحتوي على علب مواد التنظيف والفراشي للزجاج والتزويق للتابلو والعجلات والأضوية، وعندما أعاتبه ممازحاً عن الاهتمام المفرط بكومة الحديد الصماء يجبني ممازحاً « انها ببساطة كافة يدي عن طلب الدين والمساعدة حتى منك أيها الصديق الصحفي المحروق غيرة من جميلتي «.
لا شك ان اكثر المحطات الاعلامية ستضع في عيد العمال مقطع للراحل نصري شمس الدين بأغنيته الشهيرة «الأيد اللي بتعمر الله يحميها» وهي أغنية جميلة من عصر الرحابنة العظام بكلماتها المعبرة ولحنها العذب، البعض من العمال سيسمعها وهو مع اطفاله وعائلته والبعض ممن يعملون بالمياومة الأنشائية والاشغال سيسمعها وهو يحمل القفة على كتفه في احد العمارات قيد الأنشاء أو يقود شاحنته في أحدى صحاري الجزيرة العربية، لا ريب ان العمال مهما كانت مواقع عملهم وفي احوالهم المعيشية بحاجة الى شيء أكثر من الكلام المنمق المرتب وعبارات الشكر والمدح، ماذا جهزت الشركات والمصانع لعامليها لهذا اليوم كتكريم ملموس لهم يبعث فيهم ان العيد هو عيدهم بحق فما المانع حتى لو كان بسيطاً هذا التكريم فسيكون مفرح لنفوسهم على غرار «غنية وبحب الهدية» كما يقول المثل الشعبي.
من يزور مقالع الحجارة ويرى العمال كما رأيت وهم يحملون دبش الحجارة الكبيرة على أكتافهم في حر تموز وآب او برد ريح تشرين وكانون الناخر للأجساد يدرك عظم تضحيتهم لعائلاتهم ووطنهم، فلهؤلاء ولكل عمال الوطن والعالم بناة المجد والحضارة بأعمارهم وعرقهم وأجسادهم، حق لكم يا من علمتم العالم العطاء بسفر جهدكم الخالد دعاءنا لله تعالى بأن يحفظ أياديكم العليا دائماً وأن يقدرنا جميعاً حتى نكافئ تلك اليد بما تستحق من التكريم وكل عام وانتم بخير. ــ الدستور