حمادة فراعنة يكتب : عدالة القضية

في مظاهرة باريس الاحتجاجية، ضد ما يتعرض له المسلمون من أذى، وتضامناً مع الشعب الفلسطيني ضد جرائم المستعمرة الإسرائيلية وأفعالها المشينة بحق المدنيين، ظهر أحد المشاركين وهو يضع «الكيباه» الطاقية اليهودية على رأسه، دالاً على يهوديته، مثلما يضع الكوفية الفلسطينية على كتفه متلفحاً بها دالة على وقوفه وتضامنه وانحيازه لقضية الشعب الفلسطيني، ضد سلوك المستعمرة وبشاعتها.
لم يعد انحياز بعض اليهود الأجانب من الأوروبيين والأميركيين، لفلسطين واتساع حجمها وانفعالها الجدي مع معاناة الشعب المعذب بسبب الاحتلال واستمراريته والاستيطان وتطرفه، لم يعد مجرد حدث عابر، خاصة في الولايات المتحدة مع منظمة «يهود من أجل السلام» بل واقع جديد يتعاظم دوره وتظهر تعبيراته علناً، وكما يقول الناشط الفلسطيني في الولايات المتحدة، سنان شقديح: «لقد بات اليهود شركاء بارزين معنا في النضال المدني الأميركي المؤيد للفلسطينيين، والرافض للإسرائيليين، وضد سياسات حكومتهم في واشنطن الداعمة للمستعمرة الإسرائيلية، مما سبب قلقاً للأوساط الصهيونية وللمؤيدين للمستعمرة، وقلقهم خاصة من نشاط شباب الجامعات، لأن الدعم الأميركي عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً ومالياً واقتصادياً هو شريان الحياة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتفوقه ونفوذه، وخسارة هذا الشريان ستُعجل من هزيمة المستعمرة وزوال الاحتلال».
الجندية الأميركية التي كانت ضابط استخبارات صرخت أمام مجلس النواب الأميركيين: «إسرائيل تحرق الأطفال أحياء في غزة، عار عليكم ما تقدمونه لإسرائيل من دعم وإسناد، عار عليكم أن تبقوا صامتين»، مظاهر ملفتة إيجابية متفرقة، ولكنها تراكمية لصالح فلسطين.
عاملان مهمان حركا المشهد الشعبي في أميركا وأوروبا هما:
أولاً القتل والتدمير والإجرام والفاشية والعنصرية التي تُقارفها المستعمرة الإسرائيلية، غير المسبوقة بهذه الوحشية البائنة.
ثانياً التضحيات الفلسطينية وما يتعرض له أهل غزة، وأطفالهم ونسائهم وكهولهم وشبابهم من قتل، وحرمان حقهم في الحياة، عبر القصف والتجويع المتعمد، والأمراض المداهمة، ونقص المناعة، وغياب المقومات لمواجهة أعباء الجوع والمرض وتداعياته.
العالم بدأ يتفهم معاناة الفلسطينيين وشرعية تطلعاتهم، مثلما كشف عورات وأكاذيب المستعمرة وتضليلها، كمشروع استعماري توسعي احتلالي إحلالي على أرض فلسطين.
لقد كان على اليهود أن يتفهموا معنى الظلم والقتل ووسائل الأذى لما تعرضوا له من ظلم على يد النازية والفاشية والقيصرية الأوروبية، ويتعلموا من خبراتهم القاسية معنى الوجع، ولكنهم نقلوا عذاباتهم ليفرضوها على الفلسطينيين بالوجع والقتل والتدمير والتهجير والطرد والتشريد، وكأنهم ينتقمون من الفلسطينيين رداً على ما واجهوه في أوروبا، لقد سبق وتعاطفت بعض الشعوب الأوروبية مع معاناة اليهود، وأيدت قيام مشروع سكني لهم في فلسطين، ولم يدركوا أن المشروع الإسرائيلي اليهودي الصهيوني قام على الظلم والاضطهاد وكره الآخر، كرههم لأصحاب الأرض الأصلاء الحقيقيين، الشعب الفلسطيني واضطهادهم لهم.
أدركت قطاعات واسعة من الشعوب الأوروبية والأميركية، بما فيهم مواطنون يهود من الأوروبيين والأميركيين حقيقة مشروع المستعمرة الإسرائيلية، وها هم يسيرون باتجاه الانصاف والفهم والتضامن مع الفلسطينيين مهما بدا ذلك متواضعاً أو بطيئاً ولكنها خطوات تراكمية إيجابية على طريق انتصار فلسطين وهزيمة المستعمرة. ــ الدستور