د محمد العزة يكتب : (دولة داخل الدولة) صمت الأغلبية كلام القلة

تحظى قضايا أمن الدولة الأردنية خصوصا تلك المتعلقة بالتخطيط لاستهداف أمن الوطن الاردني واستقراره الداخلي، باهتمام شعبنا الاردني العظيم لأنه وطن دم وارجوان، لتتحول الى قضية رأي عام، تثار فيها الاسئلة والتحليلات والمتابعة الحثيثة عن كثب للاطلاع على تفاصيل تلك القضية، لا من باب الفضول العابر ولا من باب التسلية للقضاء على الفراغ أو قتل الملل، بل من دافع الإحساس الوطني الصادق والانتماء العميق للوطن الاردني، حيث لاخيار الا الاصطفاف معه وفي خندقه سدا منيعا نذود عن ثراه دفاعا عن سيادته وثوابته وقضاياه الوطنية والعربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمن القومي الوطني الاردني والعربي.
قضية (خلية ال17) التابعة أو المرتبطة بتنظيم الإخوان كما جاء في اعترافات الضالعين فيها والتعريف بانتمائهم التنظيمي والحزبي، أظهرت للعلن قناعة أن هذا التنظيم يضم في ثنايا جوانبه بل هناك في الأعماق ما يسمى ( التنظيم السري )، اركان هذه القناعة رسختها ثلاث بنود :
1.تفاصيل الاعترافات التي ذكرها الضالعون ال بأن العمل كان ضمن مجموعات منفصلة معزولة لا تعرف بعضها البعض.
2. بيان التنظيم المحظور قضائيا وقانونيا والحزب السياسي الذي يمثله رسميا، جاء فيه أن المخطط الإجرامي تم ضمن إطار العمل الفردي ولا يمت بصلة للتنظيم أو الحزب.
3. التصريحات السياسية من نواب والمواقع الإخبارية والأقلام التابعة له والداعمة له ، أكدت صحة الإنكار في البيان وأنه كان يستهدف أهدافا خارج حدود الدولة.
ثلاث بنود حولت الشك الى يقين لدى أغلبية الشعب الاردني الصامتة بوجود تنظيم سري وذراع عسكري لتلك الجماعة منفصلا يعمل بشكل مستقل عن الهيكل التنظيمي والسياسي الظاهر.
تاريخ الدولة الأردنية مع التنظيمات السرية له سجل وارشيف وليس جديدا من أبرز محطاته ستينات وسبعينات وثمانينيات القرن الماضي حيث كان اليسار الاردني بكافة تنظيماته وأحزابه واذرعه العسكرية التي ضمت من جميع أطياف الشعبي الاردني الفكرية والعشائرية منخرطة بالعمل الفدائي المسلح.
الدولة الأردنية كفلت حرية النشاط السياسي قانونا ودستوراً لكل مؤسسة حزبية اردنية مرخصة ضمن تعليمات وتشريعات محددة لا يجوز تجاوزها، وفي الرجوع إلى تقييم وتحليل السلوك السياسي للحزب المرخص موضوع هذا المقال، سنجد أنه تراجع لحساب إبراز تنظيمه المحظور، حتى يكاد لا وجود له حتى بالحد الأدنى والاكتفاء بحصر نشاطه على إصدار البيانات، تاركا التنظيم المحظور ومراقبه ومرشده العام في تصدر الواجهة السياسية، واختيار الملفات المراد التعامل معها وهذا ما أضعف الاشتباك المباشر للحزب مع ملفات الوطن الأردني اليومية التي هي تكليف لاي حزب سياسي وواجب عليه ولا يجب إهمالها، لينعكس هذا التراجع والضعف الحزبي على الأداء النيابي لافراده داخل مجلس النواب الذين تبنوا عناوين هامشية وافتعال الصدامات واحتدام النقاشات مع الحكومة بلا جدوى، في أداء اثار الاستهجان والريبة لدى الشارع صنفه في خانة الالهاء أو محاولة أبعاد الأنظار عن نشاط يدبر في الخفاء هم على دراية به.
تسهيلات كبيرة قدمتها الدولة الأردنية لهذا التنظيم من فرص ومساحة لممارسة نشاطات متنوعة مابين الدينية والسياسية والتجارية والأخيرة وفرت له موازنة بمليارات الدولارات، جعلته يظن انه كيان مواز يمكنه التصرف وسلوك نموذج الدولة داخل الدولة، عزز هذا الشعور نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي قدمت صك الشرعية للتنظيم وقاده وهم زائف في ادعاء الوصاية على الأغلبية الشعبية الصامتة وهذا غير صحيح، الحقيقة هي أقلية ضللت الشارع عبر استغلال أدوات العاطفة الدينية التي ارتفع منسوبها لا سيما مع تصاعد العدوان على غزة ، وكأننا أمام إعادة لتكرار سيناريو لاحداث الماضي لكن هذه المرة يقودها اليمين السياسي الأردني.
محاولات متكررة لنصح هذا التنظيم فشلت لم تنجح، بل اتضح ان هناك صراع تيارات داخل ذلك التنظيم، حسمه فريق التصعيد والتأزيم والارتهان للخارج والأنا دون الأخذ بعين الاعتبار لابعاد تعقيدات الحالة السياسية الراهنة وظروفها الموضوعية خارجيا وداخليا والمتغيرات المتسارعة الضاغطة على الجغرافيا والديمغرافيا التي تشكل تهديدات فعلية تتطلب ادوات خاصة وعقلية متزنة هادئة لا تتعامل مع الاحداث بناء على نمطية الرد عليها في سياق رد الفعل.
الاردن القوي مصلحة وطنية وقومية كبرى للشعب الاردني وللقضية الفلسطينية، أما حالة التصعيد العشوائية ومحاولات اظهار الندية والتمادي نحو انتهاج سلوك التنظيمات السرية ستؤدي إلى ظاهرة الاصطفافات وتغذي الخلافات في الرأي والانقسام والتشظي ولن تؤذي الا أفرادها.
ختاما الدولة الأردنية استنادا إلى خبرتها وتجربتها الطويلة وما عرف عنها من نهج مهني مؤسسي في التعامل مع هكذا احداث وأزمات ومنعا لتكرار سيناريوهات الماضي عقدت عزمها وحسمت أمورها تجاه هذا الملف بأنه لا دولة داخل الدولة، واي محاولة للتعدي أو الأضرار بسيادتها وأمنها واستقرارها لن يقابل الا بالتصدي بكل إصرار وحزم ليبقى الوطن الاردني العظيم قويا منيعا عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.