الأخبار

جمال القيسي : جماعة الإخوان المنحلة تقطع ذراعها السياسية

جمال القيسي : جماعة الإخوان المنحلة تقطع ذراعها السياسية
أخبارنا :  

لم يكن اعتراف عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، بالضلوع في مخططات تستهدف أمن الدولة الداخلي وتصنيع صواريخ ومسيرات ومتفجرات على وشك الانفجار، حدثًا عابرًا في المشهد الأردني.

تنص القاعدة الجزائية العريضة على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ومن هنا فإن الإجابة الحاسمة على إدانة هؤلاء بيد القضاء وحده والذي نثق به مطلق الثقة.

لكن السؤال السياسي والاستراتيجي الذي ليس سابقا لأوانه اليوم: إلى متى سيظل حزب جبهة العمل الإسلامي بمنأى عن المساءلة القانونية كونه الذراع السياسية لجماعة منحلة بحكم قضائي مبرم، إذا تمت إدانة وتجريم بعض أعضائها، غدا، في قضايا تمس صميم الأمن الوطني؟

إن الاعترافات الأخيرة التي صدرت عن بعض عناصر الجماعة المنحلة حول مخططات إرهابية وتصنيع صواريخ ومتفجرات، لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والتنظيمي الذي يتحرك فيه حزب جبهة العمل الإسلامي؛ فالعلاقة بين الطرفين ليست فقط تاريخية، بل هي عضوية بنيوية، حيث يتشارك الطرفان المرجعية الإيديولوجية والكوادر التنظيمية ذاتها، ويتقاطعان في الخطاب والقرار، وإن ادعاء الحزب بالاستقلالية عن الجماعة لا يصمد أمام الوقائع، خاصة عندما يكون المتورطون في قضايا أمنية من صلب القاعدة التنظيمية للحزب والجماعة معًا.

إن سؤال السيادة مرتبط بالشرعية دائما؛ فالسماح لحزب سياسي بالعمل في الفضاء العام، رغم ارتباطه الواضح بجماعة محظورة قضائيًا ومتورطة في أنشطة تهدد الأمن القومي للبلاد، لا يعد فقط مخالفة قانونية، بل يُشكل ثغرة في منظومة السيادة القانونية للدولة؛ فالحسم هنا ليس خيارًا سياسيًا وقانونيا فقط، بل واجب سيادي ووطني يحفظ المصالح العليا، ويمتن الجبهة الداخلية.

السند القانوني لحل الحزب

نص المادة 36 من قانون الأحزاب السياسية الأردني رقم 7 لسنة 2022:

"يُحل الحزب بقرار من المحكمة إذا صدر بحقه قرار قطعي بالإدانة بارتكاب أي من الجرائم التالية:
أ- التحريض على تنظيم مظاهرات أو تجمعات ذات طابع مسلح.
ب- تشكيل تنظيمات أو مجموعات تهدف إلى تقويض نظام الحكم أو تغيير شكل الدولة أو المساس بالدستور.
ج- المساهمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم أو تمويل أو الترويج للتنظيمات أو الجماعات الإرهابية أو التكفيرية.

وبالتالي، فإن حل أي حزب، بما في ذلك حزب جبهة العمل الإسلامي، لا يتم إداريًا أو بقرار حكومي كما كان في القوانين السابقة، وإنما يتطلب صدور حكم قضائي قطعي يُثبت تورط الحزب بأي من الحالات الوارد في المادة 36 من قانون الأحزاب النافذ.

وبالتالي، فإن مجرد وجود صلة عضوية أو تنظيمية بين حزب سياسي وبين جماعة محظورة قانونيًا، و/أو ثبوت تورط أعضائه في أعمال تهدد الأمن الوطني، و/أو المساهمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم أو تمويل أو الترويج للتنظيمات أو الجماعات الإرهابية أو التكفيرية. يشكّل أساسًا قانونيًا كافيًا لحل الحزب، ولكن من يحدد ذلك القضاء وليس أية جهة سواه.

إن قراء المشهد السياسي اليوم تؤكد أن جماعة الإخوان المنحلة قطعت ذراعها السياسي بيدها، وتتزايد مطالبات في الشارع السياسي بضرورة تفعيل الدولة لنصوص القانون بحسم ووضوح، حمايةً للشرعية الدستورية، وسيادة القانون، وأمن المجتمع.

أثر الحل على النواب المرتبطين بالحزب والجماعة

إن أي قرار بحل حزب جبهة العمل الإسلامي، استنادًا إلى ارتباطه بجماعة محظورة قانونا و/أو بسبب توافر أي من حالات المادة 36 من قانون الأحزاب، سيحمل بالضرورة تأثيرًا مباشرًا على عدد من أعضاء مجلس النواب الذين فازوا باسم الحزب، أو بدعمه، أو كانوا يمثلون امتدادًا سياسيًا للجماعة المنحلة، في حال ثبوت التبعية التنظيمية لهؤلاء النواب للجماعة المحظورة، أو انخراطهم في أنشطة تتعارض مع القانون، مما يُفتح الباب أمام إسقاط عضويتهم البرلمانية، استنادًا لمخالفتهم لقانوني الأحزاب والانتخاب.

كما أن هذا القرار سيوجه ضربة تنظيمية قاضية للجماعة التي باتت تتحرك في الفضاء السياسي من خلال هذا الغطاء، ما يعني تفكيك شبكتها داخل مؤسسات الدولة، وتجفيف منابع نفوذها في البرلمان والخطاب العام.

ليس ذلك فحسب، بل سيعيد ترتيب المشهد الحزبي والنيابي، ويدفع باتجاه إعادة تقييم الترشيحات والتحالفات الانتخابية القادمة، ويضع الأحزاب الأخرى أمام مسؤوليات جديدة لملء الفراغ الذي قد تتركه هذه الكتلة السياسية.

هل حل الحزب وسقوط عضوية نوابه سيؤدي إلى حل البرلمان؟

رغم أن حل حزب جبهة العمل الإسلامي، قد يُفضي إلى سقوط عضوية عدد من نواب مجلس النواب المرتبطين به تنظيمياً أو انتخابياً، فإن هذا التطور لا يعني بالضرورة حل البرلمان كاملاً، من الناحية الدستورية؛ فالدستور الأردني وقانون الانتخاب لا يشترطان وجود عدد محدد من النواب المرتبطين بحزب معين كشرط لاستمرار المجلس. ومع ذلك، فإن سقوط عضوية كتلة حزبية مؤثرة داخل البرلمان قد يُخلّ بالتوازنات السياسية داخله، ويُضعف شرعيته التمثيلية أمام الشارع، خاصة إذا ترافق ذلك مع تصاعد الاحتجاج الشعبي والبرلماني على وجود كتلة حزبية ما، الأمر الذي يؤدي إلى تقلص ثقة الرأي العام بالمجلس.

في هذه الحالة، قد يُصبح حل البرلمان خيارًا سياسيًا وليس دستوريًا، تلجأ إليه الدولة كاستجابة لإعادة تشكيل المشهد السياسي على أسس جديدة، خالية من امتدادات تنظيمات محظورة أو تيارات ذات طابع غير قانوني.

وبالتالي، فإن الأمر مرهون بتطورات المشهد، ومدى اتساع أثر قرار حل الحزب على تركيبة المجلس وأدائه السياسي، وليس آليًا أو تلقائيًا بمجرد سقوط عضوية عدد من النواب.

مؤشرات حل البرلمان

رغم أن حل البرلمان ليس خطوة تلقائية بعد سقوط عضوية بعض نوابه أو حل حزب سياسي، إلا أن هناك عدة مؤشرات قوية قد تدفع باتجاه حلّه كخيار سياسي مطروح بقوة في المرحلة القادمة، وأبرز هذه المؤشرات:

1. ضرب مصداقية التمثيل النيابي: وجود نواب مرتبطين بتنظيم ثبت تورطه في مخططات إرهابية، ويمثل ذراعًا لجماعة حُلّت بحكم قضائي، يطعن في شرعية التمثيل البرلماني الحالي، ويفتح الباب أمام تساؤلات شعبية ودستورية حول مدى نقاء المشهد النيابي.

2. انكشاف الغطاء السياسي لجماعة خطيرة: إذا ثبت أن بعض النواب مارسوا دورًا وظيفيًا في حماية أجندات الجماعة داخل البرلمان، فإن ذلك قد يُنظر إليه كمبرر كافٍ لـإعادة تشكيل المجلس من جذوره.

3. هشاشة التوازنات داخل البرلمان: إن غياب كتلة حزبية كبيرة – إذا تم إسقاط عضوية نواب الحزب – قد يربك التوازنات السياسية، ويدفع إلى فراغ تشريعي جزئي يصعب ترميمه.

4. الرغبة بإعادة هيكلة الحياة السياسية: قد ترى الدولة أن حل البرلمان فرصة لإعادة إطلاق الحياة السياسية بوجوه جديدة وتيارات أكثر التزامًا بثوابت الدولة، خصوصًا مع تصاعد الضغط الشعبي ضد الإخوان والحزب بعد الاعترافات الأخيرة للمتهمين.

5. رسالة داخلية وخارجية: حل البرلمان في هذا التوقيت قد يكون رسالة مزدوجة: داخليًا بتأكيد هيبة الدولة وسيادة القانون، وخارجيًا تفيد أن الأردن يتخذ خطوات جريئة لضبط الفضاء السياسي ويمنع تسلل التطرف تحت عباءة التعددية.


مواضيع قد تهمك