اسماعيل الشريف يكتب : الجيش يتمرد والسلطة تتصدع هل بدأت نهاية المجزرة؟

السياسي لا يتردد في إحراق البلاد كي يُدفئ نفسه بلهيب السلطة – فرانسوا مورياك، أديب فرنسي حائز على نوبل.
تحت ذريعة الرد على محاولة اغتيال السفير الصهيوني في لندن، على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اجتاح جيش الاحتلال بيروت عام 1982. وكان الهدف الحقيقي من تلك الحرب القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، التي نفّذها جيش لبنان الجنوبي وميليشيا الكتائب اللبنانية بدعم مباشر من جيش الاحتلال الصهيوني، بدأت حملات معارضة تظهر ضد استمرار الحرب في لبنان. خرجت المظاهرات في شوارع تل أبيب، ووقّع آلاف الجنود وأفراد الاحتياط عرائض تطالب بإنهائها.
لم تؤدِ تلك العرائض والمظاهرات إلى وقف الحرب فورًا، لكنها ساهمت في تسريع نهايتها، وأفشلت هدفها الأساسي المتمثل في القضاء على حركة فتح. كما أدّت إلى استقالة وزير الدفاع آنذاك، المقبور شارون، وأضعفت حكومة بيغن، إلى أن أمر الرئيس الأمريكي حينها، ريغان، بوقف الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من بيروت. وبعد عام، استقال بيغن من منصبه، نافياً أن تكون استقالته مرتبطة بالحرب أو بحركة الاحتجاجات.
وما أشبه اليوم بالأمس؛ فالدولة العبرية تمرّ بوضع مشابه، إذ تتصاعد المظاهرات ضد استمرار الإبادة، إلى جانب كرة ثلج آخذة في التدحرج من عرائض الاحتجاج التي تدعو إلى وقف الحرب. بدأها ضباط في سلاح الجو، ثم امتدت إلى قطاعات مختلفة من الجيش، وبدأت تُوقَّع عرائض مماثلة في قطاعات مدنية. ويفشل نتن ياهو ووزير دفاعه في احتوائها، بل على العكس، كلما تصدّوا لها، ازداد اتساعها.
حكومة الكيان تخفي الأرقام الحقيقية لعدد الموقعين على تلك العرائض، لكنها تشمل جميع شرائح المجتمع، من الحريديم إلى الملحدين. وإلى جانب العرائض، تشير التقارير الرسمية إلى أن 80% من الجنود لا يلتحقون بثكناتهم عند استدعائهم، في حين تتحدث وسائل الإعلام في فلسطين المحتلة عن أن النسبة الحقيقية هي 50 %.
ويحظى رافضو الخدمة بدعم شعبي متزايد. ويقول توم ميهجر، أحد أشهر رافضي الخدمة ومدير صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي تضم معارضين سابقين لاستمرار المجزرة، إن السابع من أكتوبر خلق شعورًا بالوحدة، لكنه بدأ يتلاشى يومًا بعد يوم. ومعظم الرافضين يؤيدون الإبادة، لكنهم يعتقدون أن الحرب طالت أكثر مما ينبغي. وهذا لا ينفي وجود مجموعة صغيرة، آخذة في التزايد، ترفض الإبادة لأسباب إنسانية.
يقود حركة رفض الخدمة العسكرية منظمة تُعرف باسم «جنود الرهائن»، حيث يوثّق أعضاؤها أسباب امتناع الجنود عن المشاركة في الحرب. وغالبًا لا تتعلق هذه الأسباب بالدماء الفلسطينية، بل بقناعة راسخة بأن الحرب استنفدت أهدافها، وأن الجيش لم يعد يخدم مصالح الدولة، بل يخدم مصالح السياسيين.
يشعر مجرم الحرب نتن ياهو ووزير دفاعه كاتس الموالي له بالصدمة مما يجري، إذ يهدد ذلك خططه في استمرار الإبادة والحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي. ومما زاد الطين بلة، فشل زيارته الأخيرة إلى واشنطن في إقناع ترامب بشن هجوم على إيران؛ إذ فاجأه ترامب بالإعلان عن انطلاق المفاوضات مع طهران، وطلب منه خفض التوتر مع تركيا والسعي إلى تسوية في غزة.
يمر نتن ياهو ووزير دفاعه كاتس ، بأزمة خانقة وكماشة آخذة في الإطباق عليهما. فهو لا يستطيع وقف المجزرة، لأن ذلك يعني انهيار حكومته ومثوله أمام القضاء في قضايا سياسية وملفات فساد، ولذلك يضغط بشدة على أهلنا في غزة، آملاً في إذعان حماس لشروطه، بتسليم الأسرى وسلاحها، وإعلان ما يسميه «الانتصار الكامل».
وقد يلجأ إلى الهروب إلى الأمام، فيوجّه ضربة إلى إيران، على أمل أن يعيد توحيد الصهاينة خلفه، واستدراج رد إيراني يُقحم الولايات المتحدة في المواجهة. لكن في المقابل، قد يرى ترامب أن ما يجري داخل الكيان يهدد قاعدته المتقدمة في المنطقة، فيضغط عليه لوقف الحرب، كما حدث في حرب لبنان. وحينذاك، لن يستطيع نتن ياهو مخالفة أوامر سيده.
الأيام القادمة ستكون حاسمة!
ـ الدستور