الأخبار

علي السنيد يكتب : المسؤولية المجتمعية للأغنياء

علي السنيد يكتب : المسؤولية المجتمعية للأغنياء
أخبارنا :  

قبل نحو عشرين عاما مضت وانقضت من حياتي ، وكنت حينها اعمل مديرا لجمعية ثقافية في عمان، وكنت افتقدت احد أصدقائي لأيام متواصلة، وعندما سألت عن سر غيابه اخبروني بانشغاله بإقامة بيت عزاء لاحد الجيران الذي قضى وحيدا، وبعدها التقينا، وكان يعروه الحزن العميق على ذلك الكهل الذي توفي بصمت ، ورحل عن الدنيا ، ولم يحضر بعض أبنائه الذين يقيمون في الخارج جنازته، والذين لم يجدوا متسعا من الوقت للحضور الى الأردن، والمشاركة في تشييع جثمان والدهم الذي دفن بمن حضر.

أخبرني حينها ان اشد ما يؤلمه ان هذا الراحل للتو ترك في الدنيا ملايين الدنانير والعقارات التي ستؤول الى أولئك العاقين من ابنائه، وتألمنا سويا على مصير هذا الانسان الذي لو وعى حقيقة الدنيا لكان اسعد المئات من الفقراء والمعوزين ببعض ماله الذي يذهب هدرا، ولكان ذاق حلاوة عمل الخير، وكسب رضى الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز " واحسنوا ان الله يحب المحسنين".

غير انه رحل عن الدنيا ، وترك الاموال من خلفه لأولئك الذين لم يحظ منهم بمجرد نظرة وداع تليق به كأب.

هذه القصة تختصر مشهدا من مشاهد بعض الأغنياء الذين يضيعون اعمارهم في وهم التملك، وهم يجمعون الأموال، ويكنزونها، ويحرمون الفقراء منها، ويحرمون انفسهم من السعادة بها ذلك ان السعادة شعور مشترك يتولد عن اسعاد الاخرين ممن حرمتهم الدنيا متاعها، وكان حظهم فيها قليل.

وهؤلاء للأسف يعيشون بلا ادنى مشاعر تربطهم بمواطنيهم الفقراء في ذات المجتمع الواحد، وهم يتجاهلون حقوق المساكين حتى اذا ما جاءهم الموت بغتة اكتشفوا هشاشة الحياة ، وسراب التملك، والاماني الكاذبة التي كانوا يطاردونها بلا طائل .

وكفى بهم ندامة انهم يعيشون ويموتون دون ان يدركوا كنه الحياة، وسرها العظيم القائم على اننا كلنا نمثل ادواراً على مسرح الحياة، والعاقل من يجيد أداء دوره، ويقدم أفضل ما لديه، ويرحل بسلام دون ان تخدعه الحياة ببريقها الأخاذ، ويصدق ان بقاءه متواصل فيها للأبد.

والمال الطيب يمكن ان يشكل طوق النجاة لأصحابه، ووسيلة لاكتشاف انسانيتهم، وطريقا رائعا الى السعادة المشتركة من خلال ادخال الفرحة على المساكين والبؤساء في هذه الدنيا فيسعدون، ويشعرون ان لحياتهم قيمة ومعنى بطلب رضى الله سبحانه وتعالى التي هي غاية حياة المؤمن.

وانا استغرب عندما اتابع قصص واخبار الأنشطة الإنسانية الكبيرة على مستوى العالم التي يقوم عليها اثرياء امريكيون واوربيون، وغيرهم، وكيف ينفقون المليارات في مساعدة الشرائح الاجتماعية المحتاجة للتمكين، ودعم حاجة بعض الدول الفقيرة في الحصول على المطاعيم، او في مكافحة الامراض الخطيرة في المجتمعات الفقيرة .

وتجد ان السيرة الذاتية الخاصة بأثرياء العالم تؤكد ان عديدين منهم يضعون عشرات المليارات، وبعضهم جل ثرواتهم من اجل الاعمال الإنسانية الكبيرة رغم ان مجتمعاتهم شبه مكتفية، وتتوفر فيها سبل العيش الكريم.

في حين تزخر مجتمعاتنا بالعديد من الأثرياء الذين يتهربون من واجباتهم الدينية، والوطنية، وقد يتهربون ضريبيا.

لا شك ان لدينا محسنون كثر يعملون على سد حاجة الفقراء والتخفيف من معاناتهم، ولكن الفقر قضية مجتمعية، وهو يتوسع سنويا، ويحتاج لجهد وطني كبير في كبح جماحه ومواجهة اثاره الخطرة.

مواضيع قد تهمك