سهم محمد العبادي : استقطاب الطلبة الوافدين للدراسة في الأردن

في بلدٍ يعاني تحديات اقتصادية متلاحقة، ويبحث عن مصادر دخل مستدامة، هناك مورد اقتصادي جاهز يدر مئات الملايين من الدنانير سنويًا، نجحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تعزيزه وتطويره، مما جعل ملف استقطاب الطلبة الوافدين للدراسة في الجامعات الأردنية أحد أبرز قصص النجاح التي تحققت في السنوات الأخيرة.
اليوم، وبفضل جهود لجنة استقطاب الطلبة الوافدين في وزارة التعليم العالي، وصل عدد الطلبة العرب والأجانب في الجامعات الأردنية إلى أكثر من 51,647 طالبًا من 113 دولة، وهو رقم لم يكن يتحقق لولا العمل الدؤوب الذي قامت به الوزارة في ترويج التعليم الأردني على المستوى الإقليمي والدولي، وتذليل العقبات أمام الطلبة الراغبين في الدراسة هنا.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة خطط واستراتيجيات واضحة اعتمدتها الوزارة، شملت حملات تسويقية موسعة، وتعاونًا مع السفارات والملاحق الثقافية، وتسهيل إجراءات القبول والتسجيل، إضافة إلى تحسين البيئة الجامعية لتكون أكثر جذبًا للطلبة الوافدين. ونتيجة لهذه الجهود، أصبحت الجامعات الأردنية خيارًا أكاديميًا مفضّلًا لآلاف الطلبة الباحثين عن تعليم متميز بتكاليف معقولة مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
إذن، استقطاب الطلبة الوافدين ليس مجرد أرقام جامعية، بل هو قطاع اقتصادي متكامل يرفد الاقتصاد الأردني بمبلغ يقدر بـ 750 مليون دينار سنويًا، تتوزع بين أقساط جامعية، سكن، مواصلات، مطاعم، خدمات، وسياحة. ويعكس هذا الرقم حجم التأثير الإيجابي لهذا الملف، الذي بات يُنظر إليه كجزء من منظومة السياحة التعليمية التي تحقق فائدة مباشرة للاقتصاد الوطني دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
وعند مقارنة هذه الأرقام بدول أخرى، نجد أن الأردن يمتلك فرصة ذهبية لمضاعفة هذا العدد. فمثلاً، في الشقيقة مصر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة يوجد 125 ألف طالب وافد تقريبا، وفي ماليزيا ذات 37 مليون نسمة هناك 145 ألف طالب وافد، بينما الأردن الذي لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة لديه 51 ألف طالب وافد، وهو رقم جيد، لكنه لا يعكس الإمكانيات الحقيقية للجامعات الأردنية.
وزارة التعليم العالي أدركت هذا الأمر، وعملت خلال السنوات الماضية على تعزيز مكانة التعليم الأردني عربيًا ودوليًا، لكن ما زال الطريق مفتوحًا لمزيد من التطوير. فمطلوب الآن العمل على توسيع الحملات التسويقية عالميًا، وتسهيل إجراءات التأشيرات والإقامة، وتقديم المزيد من الحوافز للطلبة الوافدين، خاصة مع تزايد المنافسة من دول أخرى مثل تركيا والمغرب وماليزيا التي تقدم مغريات أكاديمية ولوجستية أكبر.
فالنجاح الذي تحقق في هذا الملف يحسب للقائمين عليه في وزارة التعليم العالي، ويؤكد أن الاستثمار في التعليم يمكن أن يكون أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، إذا ما وُظِّف بشكل مدروس ومستدام. فإن لم نستثمر في هذا القطاع بشكل أكبر، ستأخذ دول أخرى زمام المبادرة، وسنفقد فرصة ذهبية لمضاعفة الأرقام الحالية وتحقيق مكاسب اقتصادية وتعليمية طويلة الأمد. ــ الدستور