عمر عليمات : سوريا والعرب .. الفرصة الأخيرة لمنع التقسيم

لا أظن أن أحداً في المنطقة لم يتوقع الأحداث الجارية حالياً في سوريا، فما يجري في الساحل السوري ليس سوى حلقة من سلسلة أزمات أخرى، تؤججها طموحات انفصالية متجذرة لدى بعض المكونات السورية، أو على الأقل باحثة عن صيغة ما للحكم الذاتي.
في ظل هذه المعضلة، تبدو سوريا أمام خطر حقيقي يتمثل في ثلاثة محاور رئيسية: الأول مرتبط برفض إيران حتى اللحظة الاعتراف بخسارتها للجغرافيا السورية، لذا ستحاول بكل الطرق إثارة المشاكل ودعم الجماعات المسلحة المناهضة للنظام الجديد في دمشق، أما المحور الثاني فيكمن في سعي إسرائيل إلى خلق مناطق نفوذ داخل سوريا، عبر استغلال سردية حماية المكون الدرزي، بهدف إبقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على استعادة دورها المحوري في المنطقة، أما المحور الثالث فهو وجود طموحات انفصالية فعلية لدى ثلاث مكونات رئيسية من المجتمع السوري.
وإلى جانب هذه المحاور لا يمكن إغفال الدور الروسي، فموسكو التي استثمرت كثيراً في سوريا خلال السنوات الماضية، لن تتخلى عن نفوذها بسهولة، بل ستعمل على التفاوض من موقع قوة لضمان حصتها الاستراتيجية، سواء عبر الوجود العسكري أو الاقتصادي.
ما يجري اليوم في سوريا هو الإنذار الأخير للمنطقة بأكملها، إذ إن دخول سوريا في مرحلة الفوضى الشاملة والاقتتال الداخلي لا يمكن بأي حال أن يبقى محصوراً داخل حدودها، بحكم الارتباطات الخارجية، والطموحات الإقليمية، والتداخل الديمغرافي مع الجوار السوري.
كل ذلك يحدث بينما تعيش المنطقة أزمة مركبة أخرى تتمثل في حرب غزة من جهة، وانهيار النظام الدولي من جهة أخرى، فمع الإدارة الأمريكية الجديدة الغارقة في سياسة عقد الصفقات وتحصيل الأموال، ولّت الأيام التي كان فيها العالم يمتلك زعامة قادرة على ضبط الأمور ومنع انزلاق المنطقة إلى مرحلة كبرى من عدم الاستقرار.
ضمن هذا السياق، يتعين على الدول العربية أن تتحمل مسؤوليتها الأساسية تجاه أمنها، والعمل على منع انفلات الأوضاع إلى مستويات يصبح معها تقسيم سوريا أو تحولها إلى ساحة صراع أهلي تحصيل حاصل. عندها، سيدخل الجميع إلى مرحلة لا يمكن لأحد توقع مآلاتها ونتائجها على المنطقة بأكملها.
المطلوب عربياً في هذه المرحلة هو إعادة تقييم جذري لما يحدث في سوريا، فلا أحد يرغب في إضافة أزمة جديدة إلى قائمة الأزمات المستعصية، والجميع يدرك أن النظام السوري الجديد لا يمكنه منفرداً التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهه، سواء على صعيد ترسيخ الأمن وفرض السيطرة على كامل التراب السوري، أو في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي قد تكون محركاً أساسياً للاضطرابات، ومصدراً لتغذية الطموحات الداخلية والأطماع الخارجية.
سوريا اليوم بحاجة فعلية إلى خطة عربية متكاملة، تهدف إلى توفير الدعم الدولي اللازم لمنع التدخلات الخارجية، والضغط نحو إيجاد حلول جذرية للأزمات المتعلقة بالمكونات الكردية والدرزية والعلوية، فمن دون انصهار جميع هذه المكونات في بوتقة وطنية واحدة، ضمن دولة مركزية متمكنة، ستظل سوريا برميل بارود قابلاً للاشتعال في أي لحظة.
اقتصادياً، تحتاج سوريا كذلك إلى خطة «مارشال» إقليمية، تتبناها الدول العربية وتركيا، بالشراكة مع المجتمع الدولي، لرفع كامل للعقوبات الاقتصادية، وتمويل سريع لمؤسسات الدولة، وإعادة بناء الاقتصاد السوري، وتأسيس صندوق لإعادة الإعمار، خاصة في مجال البنية التحتية، كون ذلك ليس مجرد أداة اقتصادية، بل ضرورة استراتيجية لضمان منع التغلغل الإيراني والإسرائيلي في سوريا عبر استغلال الفراغ الأمني والضعف الاقتصادي.
أما على الجانب السوري، فإن النظام الجديد يتحمل مسؤولية كبرى في قيادة المرحلة المقبلة. فبدون الالتزام بخارطة طريق واضحة للمسارات السياسية التي ستنتهجها الدولة، والانفتاح الكامل على مختلف المكونات السورية، وتقديم تطمينات واضحة للدول الغربية والعربية التي لا تزال لديها بعض التحفظات، ستظل الشكوك قائمة، لذا لا بُد أن يكون التغيير ملموساً عبر قرارات حاسمة، أبرزها تشكيل حكومة جديدة تمثل مختلف المكونات السورية، قائمة على الكفاءة والقدرة، وبعيدة عن المحاصصة الطائفية والمرجعيات التنظيمية.
بالمحصلة، سوريا أمام منعطف خطير، وهناك محفزات كثيرة لإشعال الساحة السورية، فإما أن يتحرك العرب سريعاً لإنقاذ سوريا، أو سنكون أمام واقع تقسيمٍ جديد، يدفع الجميع ثمنه.