بشار جرار : أحوال الشام وأهوال الساعة!

مهما حاولوا لن يفلح العرّافون في التدليس. الساعة علمها عند الله وحده بشهادة أقرب الناس إليه سبحانه من رسله وأنبيائه وأوليائه الصالحين منذ الرسالات التوحيدية في هذا المشرق المكلوم.
سوريانا ومن قبل عراقنا كما أراضينا المقدسة شرق أردننا المقدس وغربه، لطالما تعرض الأبرياء فيها -خاصة من المدنيين العزّل- إلى أبشع أنواع القتل والاضطهاد والإقصاء والطرد والملاحقة بأسماء كثيرة، الله والوطن بريء منها. لكن «الذبح على الهوية» ما زال مستمرا ولا عزاء لمن يعصبون أعينهم أو يشيحون بوجوههم عما ترصده الجوالات بالصوت والصورة -المفبركة والصحيحة والمعدّلة بنسب متفاوتة- ترصده لنا وأحيانا بهواتف منفذي أعمال الدعشنة والأيْرنة «القاسمية السليمانية» والحزبَلة والتشبيح والتعفيش والبلطجة إلى آخره من تسميات غريبة عنّا عرفناها عبر قرون قدامى العثمانيين ومن حل مكانهم من المستعمرين، حتى أفرزت الحرب الباردة وما تلاها من «فوضى خلاقة وربيع عربي» لعين من تنظيمات لم يتبدل سوى رسمها وأسمائها، فيما الأهوال على حالها بل وزادت ترديا وانقساما بين ذيول وفلول، ومتاهات ودوامات لولبية لا تنتهي في السُّباب والتلاوم فيمن، تسبب بماذا؟!
بصرف النظر عن الأسباب والدوافع والمحركين والمنفذين، ما جرى ويجري في سوريانا القديمة والجديدة يندى له الجبين ويرشّ ملحا على جرح وينكأ جروحا ويذكي نار جراح ما اندملت وما تم تنظيفها يوما، بل خلفت صديدا داخليا وندبا خارجية، جمّلوها بتاتوهات وسم ووشم هجين، وشعارات خدّاعة هدّامة.
وبغض البصر ربما عن دور بعض أجهزة أو ميلشيات الجوار القريب أو البعيد لما يجري لأهلنا في سوريانا الحبيبة، سيما من يسمون في هذا الزمن الخطر بالأقليات، وهو أمر للأسف يشمل الجميع مسلمين ومسيحيين ويهودا، من شتى الطوائف خاصة الأخوة المسيحيين والعلويين والموحّدين الدروز. دون مزاودة على أحد لأجداد هؤلاء المؤمنين بالله والوطن، صولات وجولات مع البطولة سيما في حروب الاستقلال من المحتل «الإحلالي» العثماني والمستعمر الفرنسي.
للجوار الإقليمي دور، ولمن كان مع سورية أيا كان رسمها بتاء مربوطة على القلب أم بألف ممدودة إلى السماء، لهؤلاء جميعا أمانة. أمانة إغاثة المدنيين أيا كانوا، حتى وإن تطلب الأمر ما لا يخطر على بال من حلول، قد يسمح المقام في الأسابيع المقبلة لعرضه.
باختصار وبموضوعية، لا شيء يعلو على حفظ النفس والكرامة البشرية. إن لم تتمكن سلطات أي بلاد تحقيق هذه الأولوية القصوى، فالحل العملي معروف لا يغيب عن وعي ولا ضمير المعنيين. ونحن من المعنيين في الصميم لأسباب شتى. نحن قلب بلاد الشام وجسرها إلى الخليج ومعبرها إلى أوروبا وأمريكا أكثر من الجوارين الإيراني (عبر العراق) والتركي.
الفرصة قائمة وقد تضيع في حال ضرب إيران أو التصالح معها. فرصة إنقاذ سوريانا بحدودها قبل سقوط بشار ونظام الأسد ما زالت قائمة. ثمة دور كبير للأردن يا ليت العقلاء يستمعوا إليه بإنصات وانفتاح قبل فوات الأوان. فسيل الدماء قد يتجاوز حدود سوريانا والنار إن شبّت لا سبيل إلى احتوائها، تماما كما يحذرنا خبراء البيئة والجفاف وحرائق الغابات كل عام. إنقاذ الساحل السوري العامر الزاخر الزاهر بالطبيعة الخلابة واجب إنساني أخلاقي قبل أن يكون أمنيا سياسيا. فيا لهول ما رأيناه وسمعناه وتم توثيقه من قبل مختصين وقد صار في طريقه إلى ذوي الاختصاص لدى الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة بما يحول دون تكرار مجازر ومآسي روندا والبلقان ودارفور. ــ الدستور