عمر عليمات : النظام الدولي.. هل حان وقت الانهيار؟

لعقود طويلة كانت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تعني التحالفات والتوازنات الدولية، والثبات في المواقف تجاه القضايا المهمة، وخاصة التي تؤثر على شركائها حول العالم، إلا أن كل ذلك تغير تماماً.
في مشهد يعكس مدى التحول الجذري في الأولويات الأمريكية، باتت التحالفات التقليدية مهددة، سواء في أوكرانيا، حيث تغيرت الرواية حول من هو المعتدي، أو في غزة، حيث انقلبت المواقف رأساً على عقب، أو حتى في أوروبا، حيث بدأ الشركاء في إعادة حساباتهم تجاه واشنطن، ومدى الاعتماد عليها.
صوت واشنطن أصبح أقرب ما يكون إلى ارتداد لصوت موسكو وبكين وتل أبيب، وأبعد ما يكون عن صوت الحلفاء والشركاء التقليديين، الذين ساهموا بطريقة أو بأخرى، في تمكين أمريكا من بسط نفوذها حول العالم، سواء من خلال التأييد الكامل لتوجهاتها إزاء القضايا العالمية، أو منحها الدعم اللوجستي والجغرافي، لتنفيذ سياساتها وقراراتها، ورغم كل ذلك يكافحون في هذه المرحلة من أجل تقليل الأضرار والتداعيات.
لا شيء اليوم يعلو على حديث الصفقات، فالدول المستعدة لتقديم المليارات، والرضوخ لسياسات «التعرفة الجمركية» وفتح أبوابها للمنتجات الأمريكية، هي الدول التي تتبنى واشنطن سرديتها، وتقف معها، والدول التي ترفض استباحة ثرواتها الطبيعية وأراضيها، ليست سوى دول فاشلة يحكمها طغاة، وفقاً للرؤية الأمريكية الجديدة.
شعار الولايات المتحدة «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى» عاد بها إلى عقود طويلة ماضية، عقود الدولة المتحكمة بالعالم، من أجل مصالحها الاقتصادية واستغلال الحيز الجغرافي الدولي، الدولة التي لا ترى بالآخرين سوى سوقاً مفتوحة لمنتجاتها وصناعاتها، وإلا واجهت كل أشكال التضييق والضغط، وحتى التهديد بالابتلاع.
كل ذلك، يقود إلى محصلة واحدة، وهي أن الأسس التي قام عليها النظام الدولي بدأت بالترنح، فمَن يقود هذا النظام اليوم مستعد للتخلي عن أي شيء في سبيل فرض رؤيته ومصالحه، دون أي اعتبار للقوانين الدولية، والمصالح المتشابكة للعالم، والتحالفات الراسخة منذ عقود، باختصار، يُقاس كل شيء الآن وفقاً لمبدأ «القوة»، كما أعلن الرئيس الأمريكي صراحة، عندما سئل تحت أي قانون تريد امتلاك غزة والاستيلاء عليها، ليرد بكل وضوح وفقاً لقانون القوة الأمريكية.
على الطرف الآخر، ورغم أن واشنطن تعتقد أنها تُظهر «العين الحمراء» للعالم، وتريد من الجميع تنفيذ رغباتها وسياستها، إلا أن الأمر لا يبدو كما هو عليه، فأكثر الرابحين من هذه السياسة هما روسيا والصين، اللتان لطالما نادتا بعالم متعدد الأقطاب، والخروج من عباءة الزعامة الأمريكية.
النظام الدولي وصل إلى نهايات مخاضه الطويل، فلا أوروبا تستطيع الاعتماد على حلف شمال الأطلسي في ظل إدارة ترمب، التي تقيس الأمور بمفهوم «الدفع مقابل الحماية»، ولا العالم مستعد أن يغامر بالسير مع دولة تتغير سياساتها وتوجهاتها بجرة قلم من ترمب والتوقيع على «أمر تنفيذي»، وفي ذات الوقت لن تتخلى موسكو وبكين عن هذه الفرصة التاريخية، لتجلس في مقدمة الطاولة، لانتزاع حصتها من زعامة العالم.
بالمحصلة، يبدو أن الإدارة الأمريكية التي تتزعم النظام الدولي هي مَن سيطلق «رصاصة الرحمة» عليه، ليشهد العالم تغيرات جذرية للتحالفات والتوجهات، وعودة «همجية» لمفاهيم السيطرة والنفوذ، إلا أن كل هذا مرهون بسؤال واحد، هل سترضخ أوروبا تماماً، وتقبل بأن تكون مجرد تابع للقرار الأمريكي؟ أم أن القارة العجوز ستقرر أخيراً انتزاع استقلالها السياسي، وتحمي ما تبقى من النظام الدولي وتوازناته؟