الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : الوجهة سوريا

اسماعيل الشريف يكتب : الوجهة سوريا
أخبارنا :  

«أنا مستعد للتكيف، لكنني لن أتنازل أبدًا عن هدفي.» – تشرشل

في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تبنّت الولايات المتحدة استراتيجية أمنية قائمة على التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. شملت هذه الاستراتيجية مفاهيم مثل الحرب الاستباقية، والصدمة والرعب، واستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية، بهدف إعادة تشكيل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا فيما سُمِّي بـ»الشرق الأوسط الجديد». وتُنسب هذه العقيدة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.

أدى اعتماد هذه الاستراتيجية إلى صعود الصين كقوة عالمية منافسة، ما شكّل تهديدًا حقيقيًا للهيمنة الأمريكية. ومع تحوّل أولويات واشنطن نحو مواجهة النفوذ الصيني، بدأت في تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط. وبرز ذلك من خلال تعزيز تحالفاتها في المحيطين الهندي والهادئ، مثل تحالف «أوكوس» مع المملكة المتحدة وأستراليا، وتوسيع شراكاتها مع دول كالهند واليابان، في مسعى لإضعاف الصين. وبذلك، اقتصر الوجود الأمريكي في المنطقة على الدعم اللوجستي والاستخباراتي، مع الاعتماد على قوى إقليمية متحالفة لضمان تحقيق مصالحها.

كانت الأمور تسير وفق المخطط حتى وقع طوفان الأقصى، لتجد الولايات المتحدة نفسها غارقة مجددًا في التدخل، مديرةً حرب إبادة جماعية في غزة، لم تتمكن حتى الآن من الخروج منها.

وقبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، هدد بأنه إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى، فستُفتح أبواب الجحيم. لكن حماس لم تكن لتنصاع لتهديدات الرئيس، فغزة تعيش في الجحيم منذ زمن وشهدت كل أهواله. وفي الخفاء، مارس ضغوطًا على نتن ياهو لعقد صفقة.

وبعد نجاحه في تحقيق الهدنة، فجّر قنبلته بإعلانه عن رغبته في السيطرة على غزة، وتحويلها إلى «ريفيرا الشرق الأوسط»، وتهجير سكانها نحو الأردن ومصر. لكنه اصطدم بموقف حازم من جلالة الملك، ما دفعه إلى التراجع عن فكرة التهجير إلى الأردن ومصر، وغضّ الطرف عنها.

لكن الهدف لم يتغير، فتهجير الفلسطينيين لا يزال قائمًا، لكن لماذا لا تكون سوريا هذه المرة؟

إذا صحّ هذا الافتراض، فهناك مفاوضات متعددة تُجرى في الخفاء، تتضمن مقايضة بين إيران والكيان تقوم على تحقيق مبدأ الردع المتبادل، بحيث يُضمن عدم استهداف إيران مقابل موافقتها الضمنية على خطة الترحيل وعدم تدخلها في المنطقة. ولإضفاء مصداقية على موقفها، لوّحت إيران بأنها ستحرق المنطقة إذا تم استهدافها.

أما فيما يتعلق بسوريا، التي تعاني من وضع اقتصادي خانق، حيث يعيش تسعة من كل عشرة من سكانها تحت خط الفقر، فهي بحاجة إلى أموال طائلة لإعادة الإعمار، فضلًا عن الاعتراف الدولي بالحكام الجدد فيها. ومن هذا المنطلق، قد تُوجَّه أموال الدول المانحة، بما في ذلك برامج المساعدات الأمريكية، نحو سوريا لتحقيق هذه الأهداف. كما ترددت أنباء لم أتمكن من التحقق من صحتها تفيد بوجود قرار يمنح اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الجنسية السورية.

وقد تبدو هذه الفكرة مقبولة لتركيا، التي تسعى إلى دور إقليمي أكبر في المنطقة، مستفيدةً من نفوذها الواسع في سوريا، فضلًا عن تطلعاتها الاقتصادية للمشاركة في إعادة إعمار البلاد. وبهذا، يمكن أن تصبح سوريا حاجزًا يفصل بين إيران والكيان، وضامنًا لأمن الكيان، بينما تواصل تركيا تقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين مع الإبقاء على خطابها المطالب بحل الدولتين.

أما بالنسبة لنتن ياهو، الذي أصبح لعبة بيد ترامب، فهو يرفض هذا السيناريو تمامًا. إذ لا يريد وجود تركيا على حدوده، ولا يريد الفلسطينيين هناك، لأنه يدرك جيدًا أنهم سيقاتلونه بعد سنوات. ومن وجهة نظره، فإن خطة ترامب ليست حلًا للمشكلة، بل مجرد تأجيل لها.

ولتحقيق ذلك، قد نشهد فشلًا متعمدًا في الهدنة، يتبعه استئناف الضربات الجوية الصهيونية وتشديد الحصار بشكل خانق، في محاولة لإجبار الغزيين على الهجرة ودفعهم نحو سوريا.

وإذا صحّ هذا السيناريو، فستواجه سوريا الشقيقة ضغوطًا هائلة. لكن يبقى السؤال: هل سيقبل الغزيون مغادرة أرضهم بعد أن صمدوا في وجه أكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث؟ وهل ستخضع سوريا للضغوط الأمريكية؟ وهل سيرضى العرب بذلك؟ ثم، هل ستقبل تركيا بهذه الصفقة؟

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك