الأخبار

د. خالد الوزني يكتب : حرب الاقتصاد العالمية الأولى

د. خالد الوزني يكتب : حرب الاقتصاد العالمية الأولى
أخبارنا :  

بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني

أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة

كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

أقتبس من مقابلة متلفزة للصديق الدكتور محمود محي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية، مقولته: «إنَّ الحرب العالمية التجارية الأولى قد بدأت»، لأقول: «إنَّ الحرب باتت أوسع من التجارة؛ فهي حرب الاقتصاد العالمية الأولى»، نظراً لنطاقها الذي بدأ يتسع ليشمل مفاصل الاقتصادات العالمية، ولم يقتصر على أسلحة التبادل التجاري، الجمركية وغير الجمركية، فهناك أسلحة المساعدات، والقنابل الصوتية، والتهديدات فرط الصوتية، ومُسيرات الابتزاز الاستثماري، والذخائر الاستهلاكية المشروعة وغير المشروعة، وأشكال متعددة من البلطجة الاقتصادية. الحروب الاقتصادية تكاليفها كبيرة على الجميع، بيد أنها تكتنز العديد من الفُرص؛ لأنها تفتح الأعين، وتنير الطريق لصنّاع القرار للبحث عن البدائل، خاصة أنَّ علم الاقتصاد يقوم على مفهوم تكلفة الفرصة البديلة. الحماية التجارية ذخيرتها التعرفة الجمركية، ولكن مواجهتها قد تصل إلى المقاطعة، والاستدارة نحو الصناعات الوطنية البديلة من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن منافذ أخرى. أي إنَّ على العالم التعاون والتكتُّل لمواجهة مَن بدأ الحرب وأشعلها، مع مرور الوقت، وتحميله العديد من الخسائر في الأسواق، وفي المواقع، وفي العوائد المالية. والتعرفة الجمركية لدولة تستورد موادها الخام في العديد من المجالات الصناعية والزراعية والخدمية، تعني ارتفاع الكلفة على المستهلك النهائي، أي انخفاض القوة الشرائية للدخول، والحديث هنا عن كُلف على الاقتصاد المحلي تصل في المتوسط ما يقرب من 420 مليار دولا سنوياً. أمّا أسلحة توقيف المساعدات، كلياً أو جزئياً، فهي مريرة في البداية، إلا أنَّ رونقها في أن يعزف الصدّاحون نوبة صحيان توقظ صنّاع القرار حول العالم، مع الأمل بأن لا يكون البديل هو في البحث عن مصادر أخرى، بقدر ما يكون في إعادة هيكلة الاقتصاد، وإيجاد بدائل وطنية تقوم على الاعتماد على النفس، والعودة الحقيقية نحو التخطيط التنموي اللامركزي القائم على الموارد الوطنية، بحيث تعود مهمة وإنجازات الجهات المعنية بالتخطيط، في التخطيط الاستراتيجي الاستشرافي الاقتصادي التنموي، وليس البحث عن مصادر المساعدات والمِنح والقروض المُيسَّرة وغير المُيسَّرة. فقد أثبت التاريخ المقولة الاقتصادية: «لا غداء مجاني»، بل للمساعدات كُلف سياسية كبيرة، ولعلَّ الضغوطات التي نسمع عنها، وتلك التي لا نسمع عنها، هي أكبر دليل على الكلفة العالية، بل والمرهقة لكل أشكال «المساعدات والمنح». على الاقتصادات النامية والناشئة أن تبحث عن الفرص الحقيقية للاستثمار الوطني والإقليمي والعالمي، الموجَّهة لتنافسية قطاعات الاقتصاد، وأن تشحذ الهمم نحوها. رَفْضُ المساعدات لمدة عامين، وتعويضها حتى لو بالمديونية خلال تلك الفترة، والإصرار على أنَّ الاقتصادات لا تحتاج إلى مَن يَمُنُّ عليها، بل مَن يساعدها على الاستثمار في مواردها وطاقتها، سيحوِّلها إلى اقتصادات مستقلة قوية ونوعية. الاعتماد المتبادل على التنمية بين الاقتصادات الناشئة والنامية هو القبة الحقيقية والحديدية لوقف الابتزاز الحالي والمستقبلي. وأخيراً وليس آخراً، في ظل التحوُّل عن فكرة التحرُّر الاقتصادي، وفكر منظمة التجارة العالمية، التي أسَّسها أصحاب الفكر المتحرِّر، بات من الواضح أنَّ الاستدارة الحقيقية هي في الكتل المُتناغمة المُتآلِفة المتجانسة القادرة على الصمود وشَدِّ العضد معاً، والأمل أن تظهر في المنطقة العربية «كتلة ما» توازي كتلة بريكس العالمية، والتي من المؤكَّد أنه سيكون لها شأنٌ عالميٌّ في الأجل المتوسط، شأنٌ الفضلُ الوحيدُ فيه هو لحرب الاقتصاد التي بدأت الولايات المتحدة تدقُّ طبولها، والتي ستُعَجِّل بالتأكيد في تغيير موازين القوى الاقتصادية، التجارية والمالية والنقدية. والأمل أن تنشأ تلك الكتلة العربية للعمل معاً والتعاون مع كتلة بريكس في المصالح المشتركة وليس في المساعدات المِنح. حرب الاقتصاد العالمية الأولى فرصة كبيرة للدول للتكتُّل معاً والاستفاقة من طول اعتماد على مناطق الراحة والخمول، نحو العمل الدؤوب لسبر غور الاقتصادات، واستخراج الطاقات الكامنة، الشبابية قبل كل شيء، والاستثمار فيها، وكذلك الطاقات الطبيعية والمادية التي تزخر بها ولا تستغلها بشكل صحيح.

khwazani@gmail.com


مواضيع قد تهمك