اسماعيل الشريف يكتب : رجل الصفقات
فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا – 19 النساء.
مع صعود نجم دونالد ترامب في عالم الأعمال، اقترح عليه الكاتب توني شولتز في العام 1989 فكرة تأليف كتاب يقدّم خلاصة تجربته ونهجه في إدارة الأعمال. وافق ترامب على الفكرة، وسرعان ما بدأ الاثنان العمل على المشروع. لكن عند موعد إصدار الكتاب، غاب ترامب عن حفل الإطلاق، مما وضع شولتز في موقف محرج أمام الحضور ووسائل الإعلام.
حين واجه شولتز ترامب بشأن غيابه، أجابه ترامب ببرود وتهكم: «يبدو أنك لم تستوعب شيئًا من الكتاب؛ فالهدف هو تحقيق النجاح بغض النظر عن الخسائر التي يتكبدها الآخرون. وقد كان غيابي تكتيكًا لجذب اهتمام وسائل الإعلام، وهو ما سيزيد من نجاح الكتاب.»
ومن يتابع الأخبار في اليومين الماضيين قد يلاحظ أن هناك صفقة يحاول ترامب إبرامها.
تناقلت وسائل الإعلام خبرين: الأول يتعلق بتعليق المساعدات الأمريكية الخارجية لمدة تسعين يومًا لتقييمها، والثاني يتمثل في طلب ترامب، استيعاب سكان من قطاع غزة.
لاحقًا، تسربت أخبار أخرى تفيد بأن قرار تعليق المساعدات لم يشمل الأردن ومصر، وأن طلب ترامب باستيعاب سكان من غزة هو لفترة قصيرة أو طويلة، إلى حين إعادة إعمار غزة.
يمكننا تفسير هذه الأخبار بقراءتين متضاربتين: الأولى تشير إلى أن هناك صفقة يحاول ترامب إبرامها مع الأردن ومصر، مفادها «استوعبوا سكانًا من غزة مقابل استمرار المساعدات.» أما القراءة الثانية فتفترض أن المساعدات ستستمر، وأن الأمرين غير مرتبطين ببعضهما البعض. ولكن، لنفترض السيناريو الأسوأ، وهو أن ترامب يربط بين الموضوعين، بحيث يصبح استمرار المساعدات مشروطًا بقبول الأردن ومصر استيعاب سكان من غزة.
لا يمكن لأحد إنكار أهمية المساعدات الأمريكية للأردن، حيث تحقق فوائد عديدة، منها دعم الموازنة مما يساهم في تخفيض العجز وتوفير السيولة، وزيادة الاحتياطيات النقدية مما يعزز استقرار الدينار. كما تُوجَّه هذه المساعدات لتمويل مشاريع تنموية، وتعزيز بيئة الأعمال، وبناء المدارس وتحسين جودة التعليم، فضلًا عن تخفيف الأعباء عن الأردن في استضافة اللاجئين، وغيرها من المجالات الحيوية.، إلا أنني أستبعد توقفها تمامًا لسببين: الأول أن المساعدات التي يتلقاها الأردن، والبالغة 1.450 مليار دولار سنويًا، تأتي بموجب اتفاقية تنتهي في عام 2029. والثاني أنه خلال الفترة الأولى لرئاسة ترامب لم تتم مراجعة هذه المساعدات، كما أن ترامب يبدو أكثر تحررًا من تأثير اللوبيات الصهيونية في فترته الثانية باعتبارها الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الأردنية-الأمريكية تمتد عبر الإدارات المختلفة، ولا يمكن لأحد إنكار الدور المحوري الذي يلعبه الأردن في المنطقة.
ولكن، إذا وقع المحظور، فإن الخاسر الأكبر ستكون الولايات المتحدة. فالأردن لديه القدرة على التوجه إلى خيارات بديلة، مثل الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي الشقيقة، بالإضافة إلى الانخراط في مشاريع إقليمية كبرى.
ولا يمكن إغفال دور الصين، التي تتطلع إلى تعزيز وجودها في العالم العربي، وقد تكون خيارًا أفضل من الولايات المتحدة.
هناك فرصة كبيرة أمام الأردن للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، ما يفتح آفاقًا اقتصادية واعدة. ومع العلاقات التجارية المميزة التي تربطه بتركيا، يمكن للأردن الاستفادة من هذه الفرص لتعزيز اقتصاده. ستكون هذه المرحلة فرصة مهمة للاعتماد على الذات، والاستمرار بقوة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتحفيز الاستثمار المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مع التركيز على تعزيز القطاعات الحيوية التي تسهم في تحقيق تنمية مستدامة.
وأنا على يقين تام بأن وقف المساعدات الأمريكية سيؤدي إلى زيادة التفاف الشعب حول قيادته. فقد اختبرنا شعور الكرامة خلال حرب الإبادة في غزة، وشهدنا موقفًا مشرفًا من الأردن. وربما يكون الأجمل أن نعيش ، معتمدين على أنفسنا، متحدين في مواجهة التحديات، ومتمسكين بمبادئنا الوطنية والإنسانية. ــ الدستور