الأخبار

عمر عليمات : المقترح الأمريكي لمساعدة أهل غزة: سلام أم تهجير؟

عمر عليمات : المقترح الأمريكي لمساعدة أهل غزة: سلام أم تهجير؟
أخبارنا :  

يخرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح لافت، ويتحدث بكل وضوح عن ضرورة استقبال الأردن ومصر المزيد من سكان غزة، بعد أن تسببت الحرب الإسرائيلية على القطاع في أزمة إنسانية.

التصريح حول إعادة تأهيل القطاع وضمان تمكين أهل غزة من «العيش في سلام لأول مرة» عبر مشاركة واشنطن في بناء مساكن في موقع مختلف لفترة زمنية مؤقتة أو طويلة الأمد قد يبدو في مدفوعاً بدوافع إنسانية، ولكن في عمقه يحمل بذور مخطط خطير، للتهجير الناعم تحت مسميات جديدة وآليات مختلفة.

إسرائيل ومنذ اليوم الأول للحرب سعت بكل طرق إلى تفريغ غزة من سكانها، عبر تدمير القطاع وتحويله إلى منطقة تستحيل فيها الحياة، ولكنها فشلت أمام الموقف الأردني والمصري الصلب، والرافض لأي شكل من أشكال التهجير، وتحت أي مسمى أو مدد زمنية قصيرة أو طويلة الأمد، فكلا الدولتين مدركتان تماماً أن الحلول المؤقتة التي تستدعي ترحيل الفلسطينيين لطالما تحولت إلى حلول دائمة، وتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مليء بالشواهد والتجارب على سياسة الأمر الواقع الذي تتبناها إسرائيل بعد كل اتفاق أو مقترح جديد.

تفريغ الأرض، تحت غطاء إنساني يتحدث عن «السلام» و»الإنسانية» وإعادة بناء قطاع غزة بشكل يضمن حياة كريمة لسكانها لا يمكن وصفه إلا بأنه «تهجير ناعم» يتماهى تماماً مع المخططات الإسرائيلية، ولكن بطرق جديدة تستخدم السياسة والضغوط الدبلوماسية بعد أن استنفدت إسرائيل كل محاولتها التدميرية للوصول إلى هذا الهدف.

دعوة ترامب تعكس بوضوح السياسة الأمريكية لحل مشاكل إسرائيل على حساب الدول العربية المجاورة، وهذه الدعوة ليست الأولى من نوعها، فمنذ اليوم الأول أبدى الرئيس الأمريكي دعمًا قوياً لتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، من خلال إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على مستوطنين متطرفين متورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وهذا القرار لا يمكن قراءاته خارج إطار دعم الإدارة الأمريكية الحالية لتوسيع النشاط الاستيطاني، وبالتالي تهجير الفلسطينيين.

هذه المؤشرات، سواء المرتبطة بغزة أو الضفة الغربية ليست مجرد تصريحات عابرة، بل هي نهج يبدو أن الإدارة الأمريكية ماضية في تنفيذه، خاصة إذا ما نظرنا إلى فريق ترامب الذي وصفه سابقاً مات بروكس، الرئيس التنفيذي للائتلاف اليهودي الجمهوري بأنه «فريق أحلام حقيقي لأولئك الذين يهتمون بعلاقة قوية وحيوية لا تتزعزع بين الولايات المتحدة وإسرائيل».

الموقف الأردني واضح تماماً تجاه مثل هذه التصورات والمقترحات، وهو موقف رافض تماماً لأي نوع من التهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومثل هذه المقترحات ليست بالجديدة عليه، وقد أثبت في ولاية ترامب الأولى قدرته وصلابته في مواجهة الضغوط، ومحاولات فرض سيناريوهات محددة عليه، وتمكن من إفشال صفقة القرن التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية من بوابة التنمية والاقتصاد.

الأردن يمتلك من الأوراق والأدوات الكثير، وحراكه السياسي المتزن والقائم على فهم عميق للسياسة الأمريكية ومقارباتها كفيل بالتعامل مع مثل هذه المقترحات، وإعادة تشكيلها بما يخدم مصالحه الوطنية العليا، مع الحفاظ على دوره كطرف فاعل ومؤثر في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة.

الموقف الأردني ليس وحيداً، والتنسيق مع مصر عميق ومتواصل منذ بداية الحرب، والبلدان يشكلان جبهة متماسكة في مواجهة عملية التهجير، وثقلهما يتيح لهما التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية لضمان شبكة دعم ووضع تصورات أخرى لمساعدة سكان القطاع بعيداً عن رؤية الترحيل والتهجير.

بالمحصلة، ورغم أن الأردن سيواجه ضغوطاً حقيقية خلال الفترة المقبلة، إلا أن الحقيقة التي يجب على الجميع إدراكها هي أن تصفية القضية الفلسطينية لن تتم على حساب الأردن، وأن الحل الوحيد للصراع هو إنهاء الاحتلال وضمان حقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وليس تهجيرهم وتفريغ أراضيهم. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك