اسماعيل الشريف يكتب : السيد يقرر وقف الحرب ويعتذر
أنا سلطان الأرض، ومن خالفني فليس له إلا السيف.. المتوكل، الخليفة العباسي.
تتوالى الأخبار عن اقتراب التوصل إلى هدنة بين الصهاينة وحماس، وقد توقفت عند مسألتين:
الأولى: أن الكلمة الفصل في العلاقات الأمريكية-الصهيونية كانت ولا تزال بيد الرئيس الأمريكي. ففي عام 1982، أمر ريغان في اتصال هاتفي رئيس وزراء الكيان، مناحيم بيغن، بسحب قواته من لبنان، وخلال عشرين دقيقة بدأت القوات بالانسحاب. وفي عام 1991، أمر بوش الأب الكيان بعدم الرد على صواريخ الرئيس صدام حسين التي دكّت وسط تل أبيب، فامتثل الكيان للأوامر. كما ضغط كلينتون على نتن ياهو لتوقيع اتفاقية واي ريفر، التي نصّت على انسحاب الكيان من أجزاء من الضفة الغربية. أما أوباما، فقد سمح بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي أدان الاستيطان الصهيوني بشكل مباشر.
تؤكد خفايا وقف إطلاق النار في غزة هذه الحقيقة؛ إذ كشفت التقارير أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكون، طلب لقاء نتن ياهو، الذي حاول التهرب. إلا أن ويتكون ردّ عليه بحزم: «سأنتظرك غدًا السبت في الساعة العاشرة صباحًا.» وخلال الاجتماع، قال بوضوح: «ترامب يريد صفقة، وإلا سيكون لذلك عواقب.»
لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة الكيان الصهيوني، الذي لا يعدو كونه مشروعًا استيطانيًا يخدم المصالح الأمريكية، ولا يمكنه البقاء يومًا واحدًا دون دعمها. وعندما يأمر مدير المشروع، لا خيار أمام الموظف سوى التنفيذ. فقد وصل «السيد» إلى قناعة بأن الحرب قد استنفدت أغراضها ولم تعد تخدم أهدافها وأن حماس باقية ، فأمر بوقفها، بعد ان يكون يديرها منذ بدايتها.
الثانية: في الأيام الأخيرة، ومع اقتراب رحيله عن البيت الأبيض، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغيير خطابه بشأن الإبادة؛ إذ ظهر متأثرًا، متحدثًا عن الأيام العصيبة التي مر بها أهل غزة، وبدأ يتحدث عن حل الدولتين. وهو ذاته الرئيس الذي صرّح في أول لقاء له مع نتن ياهو، عند زيارته للكيان، بأن حل الدولتين قد انتهى، وهو نفسه الذي أدار حرب الإبادة في غزة ودعمها بلا هوادة.
عزيزي القارئ، لا تنخدع بدموع التماسيح هذه؛ فهذا هو ديدن الساسة الأمريكيين في وداعهم للبيت الأبيض، حيث يحرصون على ترك صورة زائفة لرحمة مزعومة، محاولين التكفير عن أطنان الجرائم التي ارتكبوها. الأهم من ذلك، يسعون لخلق انطباع بأن تلك الجرائم كانت أفعالًا فردية لا تمثل الدولة، وأن الإدارة الجديدة بريئة من خطايا سابقتها، لتبدأ دورة الدم من جديد، وهكذا دواليك.
ألم يفتتح أوباما فترته الرئاسية باعتذار للعالم الإسلامي من قلب جامعة القاهرة عن الملايين الذين قتلهم بوش؟ لكنه خلال رئاسته قتل أضعاف من قتلهم سلفه. وهو نفسه من انتقد الكيان في كتابه أرض الميعاد بعد مغادرته البيت الأبيض.
بقية مقال إسماعيل الشريف
السيد يقرر وقف الحرب ويعتذر
تمامًا كما فعل سلفه جيمي كارتر، الذي غض الطرف عن الاستيطان الصهيوني ودعم الكيان عسكريًا وماديًا دعمًا غير محدود، ثم بعد مغادرته ألّف كتابًا بعنوان فلسطين: السلام لا الأبارتهايد، وصف فيه السياسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين بأن ها نظام فصل عنصري. وكذلك وزير الخارجية جون كيري، الذي كان واضحًا في انحيازه للصهاينة عام 2013 ابان المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، وأيّد العدوان على غزة عام 2014، لكنه قبيل مغادرته منصبه ألقى خطابه الشهير منتقدًا الاستيطان الصهيوني.
هذا هو جوهر السياسات الأمريكية؛ إذ تُسوّق لنا وهمًا بأن الكيان الصهيوني هو صاحب القرار، وأن اللوبيات الصهيونية تتحكم بالسياسة الأمريكية، بينما الحقيقة أن قرارات الإمبراطورية حين تُتخذ، تُنفذ بلا جدال. وللتغطية على التناقض الصارخ بين القيم التي ترفعها الولايات المتحدة، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، وبين ممارساتها الفعلية المناقضة لتلك القيم، تتولى الإدارات المتعاقبة تحمّل هذا التناقض، لتبقى الصورة الأخلاقية المزعومة سليمة أمام العالم، بينما تُمارس الهيمنة بلا قيود.
ــ الدستور