الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : المصافحة.. الحرية المزعومة والتناقض الأخلاقي

اسماعيل الشريف يكتب : المصافحة.. الحرية المزعومة والتناقض الأخلاقي
أخبارنا :  

تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين- مونتسيكو
دائمًا ما تحمل زيارات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا إلى دول العالم مفارقات تثير الجدل. فقد انتقدت الصين في ملف حقوق الإنسان أثناء زيارتها لها، إلا أنها تجنبت الحديث عن ملف اضطهاد الأقليات خلال زيارتها للهند، مراعاةً للمصالح الاقتصادية.
وجاءت إلى سوريا قبل أيام وسط تلاسن مع روسيا، إذ أصدرت بيانًا تطالب فيه موسكو بالانسحاب من سوريا، فردت عليها روسيا ببيان آخر طالبت فيه برفع طلب مماثل إلى واشنطن لسحب قواتها من ألمانيا!
للأسف، اختصر الإعلام الغربي زيارة الوزيرة الألمانية بوجود وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، مركّزًا على عدم مصافحة الشرع لها، مصورًا ذلك وكأنه الحدث الأبرز في الثورة السورية. إلا أن هناك تفصيلة مهمة أغفلتها وسائل الإعلام الغربية؛ فقد كان وزير الخارجية الفرنسي يضم يديه عندما أراد الشرع مصافحته، لكنه اضطر لمصافحته بعد أن مد الشرع يده أولًا، ومع ذلك، عاد وضم يديه ورفض مصافحة المسؤولين السوريين الذين وقفوا بجانب الشرع.
علّقت وزيرة الخارجية الألمانية على هذه الحادثة بقولها: «كنت على قناعة كاملة بأن الشرع لن يصافحني، وبالتالي لم يمد وزير الخارجية الفرنسي يده.»
الشرع له مطلق الحرية في أن يصافح أو لا يصافح النساء، فهو يتمسك بالرأي القائل بعدم جواز مصافحة النساء، وهو حر في ذلك. هذه مسألة بسيطة لا تستدعي الوقوف عندها مطولًا. إلا أنني أجد نفسي مضطرًا لمناقشتها بسبب ازدواجية المعايير الغربية، حيث لم يثر الغرب أي ضجة عندما رفضت المغنية الصهيونية يوفال ديان في عام 2022 مصافحة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رغم أنه في عمر جدها، بدعوى التزامها الديني. كما أننا نرى في كل زيارات المسؤولين الغربيين والمشاهير ارتداء غطاء الرأس اليهودي (الكيباه) أثناء زيارتهم لحائط البراق وأدائهم طقوسًا دينية هناك، رغم معرفتي ومعرفة القارئ العزيز أن هذه الزيارات تتم تحت ضغط الإلزام السياسي.
ولا ننسى بالطبع السياسي المسلم يسري خان، الذي اضطر للانسحاب من الحياة السياسية السويدية بعد موجات احتجاج واسعة لعدم مصافحته خلال مقابلة تلفزيونية، وكذلك حادثة رفض السلطات الألمانية منح الجنسية لمسلم امتنع عن مصافحة القاضية أثناء مراسم تجنيسه، رغم استيفائه جميع الشروط القانونية الأخرى، واضطهاد الحجابيات الضيوف في البرلمان الفرنسي الذي يصفق للكيباه.
وتتجلى الازدواجية الغربية حين يتشدقون بالحرية الشخصية، فيسوغون الشذوذ بأبشع صوره والترويج للمتحولين، بينما إذا تعلق الأمر بأي مظهر من مظاهر الهوية الإسلامية، انقلبت القضية إلى رأي عام واتهامات بالتطرف، وكأننا ملزمون بالامتثال لثقافتهم حتى ونحن في أوطاننا.
أراهن أنه لو أجرت جهة بحثية محايدة في أوروبا استفتاءً وتوجهت بسؤال للمرأة: هل تفضل الارتباط برجل ملتزم بدينه، مخلص لزوجته، أم برجل تحكمه أهواؤه ويعيش لملذاته؟ أعلم يقينًا ما ستكون عليه نتائج هذا الاستفتاء.
ركزت الوزيرة في حديثها مع الشرع على حقوق المرأة ومشاركتها السياسية، لكنها تجاهلت تمامًا أن الشرع نفسه حرر عشرات الآلاف من النساء اللواتي تعرضن لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي في سجون الأسد، ولم تكلف نفسها حتى عناء الاعتذار عن صمتها طوال ثلاثة عشر عامًا، بينما كان الشعب السوري يذبح أمام أعين العالم.

بقية مقال إسماعيل الشريف
المصافحة.. الحرية المزعومة والتناقض الأخلاقي

نفس الوزيرة التي تتحدث عن حقوق المرأة اليوم، هي ذاتها التي بررت سابقًا للصهاينة قتل المدنيين في غزة بدعوى «الدفاع عن النفس»، متناسية أن 70% من شهداء غزة هم من الأطفال والنساء.
أما أنا، فمقتنع تمامًا ولا أستحي من التصريح بذلك: الغرب يكره الإسلام لأنه يمثل تهديدًا جوهريًا لحضارته القائمة على إشباع الغرائز بلا قيود، ويرفض النظام المصرفي القائم على الربا، ويهدد صناعات قائمة على استغلال المرأة كسلعة وتجارات مسمومة كصناعة الخمور. كما أن تعاملهم معنا ينبع من نظرية «تفوق» العرق الأبيض، الذي حضر إلى مسرح المدنية متأخرًا، وبنى مجده بمزيج من القوة المفرطة وسرقة الإنجازات وانعدام الضمير وغسيل الأدمغة، مبررًا اضطهاد الآخرين وفرض ثقافته عليهم بالقوة.
وربما يفسر ذلك السؤال الذي لم يطرحه أحد: لماذا تردد وزير الخارجية الفرنسي في مصافحة الشرع، ورفض مصافحة زملائه؟



مواضيع قد تهمك