هاني الهزايمة : بين جدلية الخوف من التغيير والحلم بسوريا ديمقراطية
النقاش الذي يدور حاليا خلف وأمام الكواليس حول شكل ومستقبل النظام السياسي في سوريا يعكس تعقيدات الواقع السوري بعد سنوات من الحرب والدمار، ويفتح باباً واسعاً للنقاش حول مستقبل سوريا بعد تحررها من قبضة نظام الأسد. إنه نقاش يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة النظام القادم، وكيفية التأسيس لدولة ديمقراطية تحترم الجميع دون إقصاء أو تهميش.
من الطبيعي أن يخشى البعض التغيير، خصوصاً في بلد عانى لعقود من حكم استبدادي طائفي أفرغ المؤسسات من مضمونها، وأسس لنظام قائم على الفساد والقمع. لكن أن يتحول هذا الخوف إلى رفض مطلق لأي بديل للنظام الحالي، بحجة أن البديل قد يكون «إسلاموياً»، فهو تفكير قاصر ومبني على عداء أيديولوجي أكثر منه قراءة واقعية للمستقبل.
إن الحجة القائلة بأن الإسلام السياسي هو البديل الحتمي للنظام الحالي تعكس رؤية مشوهة تُغذيها مخاوف قديمة وأجندات إقليمية ودولية. فالإسلام السياسي ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو طيف واسع يضم تيارات معتدلة وأخرى متطرفة. وإذا كان هناك خوف من استبداد الإسلام السياسي، فإن الحل لا يكمن في رفضه بالكامل، بل في خلق بيئة ديمقراطية تضمن تداول السلطة، وتحمي حقوق الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية أو الدينية.
بعض القوى اليسارية تتخذ من معاداة إسرائيل غطاءً لعدائها للإسلام. وهنا يجب أن نفرق بين معاداة الإسلام كدين، ومعارضة تيارات الإسلام السياسي التي قد تحمل أجندات استبدادية. المشكلة ليست في الإسلام ذاته، بل في استغلاله كأداة للوصول إلى السلطة.
على القوى اليسارية والعلمانية أن تتجاوز هذه النظرة الضيقة، وأن تعترف بأن الإسلام جزء لا يتجزأ من هوية الشعب السوري. إن رفض الإسلام السياسي بشكل مطلق دون تقديم بديل مقنع ومقبول يعمق الانقسام، ويمنح التيارات المتطرفة مساحة أكبر للتأثير.
وفي هذا الإطار تكمن فكرة جوهرية: لا خوف من الإسلام السياسي إذا جاء عبر انتخابات حرة ونزيهة، وأسس لديمقراطية حقيقية. وهذه نقطة في غاية الأهمية. الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي ثقافة تحترم التعددية، وتضمن حقوق الأقليات، وتمنع أي طرف من احتكار السلطة.
إن بناء دولة ديمقراطية في سوريا يتطلب مشاركة الجميع، بمن فيهم التيارات الإسلامية المعتدلة. الخوف من الإسلام السياسي يجب أن يتحول إلى عمل دؤوب لضمان أن يكون جزءاً من النظام الديمقراطي، وليس بديلاً استبدادياً للنظام الحالي.
وأما فيما يتعلق بالحديث عن شخصية أحمد الشرع كحاكم فعلي، فإن الانتقادات الموجهة له مجرد «صوت ضائع في الرياح». قد يكون هذا توصيفاً دقيقاً للواقع الحالي، لكنه ليس مبرراً للقبول بالأمر الواقع.
هيئة تحرير الشام، وأحمد الشرع كجزء منها، هي قوة فرضتها ظروف الحرب، لكنها ليست بالضرورة القوة التي تمثل طموحات الشعب السوري. القبول بها كجزء من المشهد السياسي يجب أن يكون مشروطاً بالتزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتخلي عن أي ممارسات استبدادية أو إقصائية.
تحرير سوريا من نظام الأسد ليس النهاية، بل هو البداية. البداية لبناء دولة ديمقراطية تحترم الجميع، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. الخوف من الإسلام السياسي أو أي تيار آخر يجب أن يتحول إلى عمل مشترك لضمان أن تكون سوريا المستقبل دولة تعددية، لا مكان فيها للإقصاء أو الاستبداد.
على السوريين، بمختلف انتماءاتهم، أن يتكاتفوا لبناء هذه الدولة. وعلى القوى الدولية والإقليمية أن تدرك أن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة بأكملها. التحديات كبيرة، لكن الأمل في بناء سوريا جديدة يبقى أكبر.
ــ الراي