محمد خروب : «بونابرت إسرائيل»؟
هذا هو عنوان مقالة/دراسة مُطولة, أعدّها «غاي لارون» (مُحاضِر أوّل في قسم العلاقات الدولية, في «الجامعة العبرية» في القدس المُحتلة، قام بنشرها في موقع «كاتاليست» (catalyst)، وهو موقع تابع لمنظمة عالمية «غير رِبحية», تأسست في العام/ 1966 وهي منشورة في موقع «عرب 48» في الداخل الفلسطيني). وفيها يُضيء الكاتب على مسيرة مُجرم الحرب/نتنياهو, منذ بروزه على الساحة السياسية, رابطاً ذلك بالتحوّلات الدراماتيكية التي شهدها الكيان العنصري الاستعماري, على الأصعدة كافة, وبخاصة بعد «الانقلاب الانتخابي» الذي قاده الإرهابي/مناحيم بيغن في آيار عام/1977. مُطيحاً «حزب العمل/بأجنحته المختلفة, حيث واصلَ/العمل حُكم الكيان منذ النكبة الفلسطينية حتى ذلك اليوم, الذي جاء بتحالف أحزاب اليمين الصهيوني المُتطرِف إلى السلطة, ولمّا يزل في المشهد منذ ذلك الحين, وإن كان تخلّل الفترة تلك, قيام حكومة «ائتلافية» بين الليكود بزعامة الإرهابي/إسحق شامير, وحزب العمل بقيادة شمعون بيرس, تقلّد فيها إسحق رابين وزارة الدفاع (اندلعت في الأثناء الإنتفاضة الفلسطينية الأولى 8/12/1987, فسارعَ رابين بدعوة جنوده الى «كَسرِ» أيدي وأرجل أطفال الإنتفاضة).
من هنا يدخل الكاتب في متابعة دقيقة وحثيثة للمشهد في الدولة الصهيونية, لـ«الهيكل» الذي دخلَ إليه «نتنياهو» أوائل تسعينيات القرن العشرين، وهكذا كانت قواعد اللعبة ـ يُضيف لارون ـ التي تعلّم اللعِب بها إلى حد الكمال». بعد أن كان/لارون في بداية دراسته قارنَ بين لويس بونابرت ونتنياهو. لافتاً إلى أن نتنياهو ليس بأي حال من الأحوال «رديئاً رداءة فظيعة»، بل هو رجلٌ ديماغوجي موهوب، وسياسي ماهر، وايديولوجي نيوليبرالي حتى النخاع. بيد ـ أضافَ ـ أن التشابه بين «بيبي»، كما يحب مُعجبوه مُناداته، ولويس نابليون، مُفيدٌ من نواحٍ أخرى، نواحٍ تتجاوز مُجرّد ملاحظة أن «كليهما كان يتّخذ خيارات، ولكن ليس من اختياره الخاص». إذ إن ما مَكّن صعود الديكتاتورية في فرنسا كان الصراع الطبقي, الذي قاد إلى طريق مسدود سياسياً. وبناءً على هذا الوضع، اغتصب نابليون «سلطات الدولة لتنفيذ سياسة عدوانية في الخارج»، بينما كان يسعى إلى تنفيذ أجندة صارمة مؤيدة للأعمال التجارية في الداخل. وقد أدّى هذا إلى نشوء وضع مُتناقض حيث سعى بونابرت الثاني إلى «تطبيق سياسات تتماشى مع سياسات البرجوازية الفرنسية، في حين خنقَ حريتهم السياسية والثقافية في التعبير». وهذا هو ـ أردفَ الكاتب ـ «جوهر المُفارقة التي تعيشها إسرائيل تحت قيادة نتنياهو».
يمضي الكاتب قُدماً في تشخيص حال الكيان الصهيوني, وبخاصة السياسات الاقتصادية بتوابعها وتداعياتها الاجتماعية, وكيف سارعَ «حزب العمل» إلى تبني التوجهات النيوليبرالية. فيقول: والطريقة لحل هذه المفارقة هي متابعة تاريخ الصراع الطبقي في إسرائيل. لقد بدأ الأمر بجدية في عام 1977، مع الانتخابات «الانقلابية» التي أنهت الحكم الطويل لحزب العمل الذي حكم البلاد منذ عام 1948. وصلَ حزب الليكود (الذي يُمثل إلى حد كبير «الفقراء» في ذلك العام إلى السلطة». فتحَ هذا الحدث فصلاً جديداً في تاريخ إسرائيل، وأدى إلى بدء «حرب باردة» استمرت عقوداً من الزمن، وتصاعدت في بعض الأحيان إلى عنف صريح، بين تحالُفيْن اجتماعيّين. وتضمنَ التحالف الأول بقيادة الليكود، «الطبقة العاملة، والمستوطنين في الأراضي المحتلة، واليهود المتشددين دينياً». وكان التحالف الآخر بقيادة حزب العمل. وعلى نحو ـ أردفَ لارون ـ يعكس التحوّل الذي حدثَ في أحزاب يسارية أخرى في العالم المتقدم، تخلّى ـ يلفِتُ الكاتب ـ حزب العمل عن الطبقة العاملة الإسرائيلية. واستوعبَ تدريجياً وعلى نحوٍ مُتزايد احتياجات الطبقة المتوسطة والبرجوازية، وأصبح، على حد تعبير توماس بيكيتي, نوعاً من «اليسار البراهيمي». ("اليسار البراهيمي» هو مُصطلح صاغه الاقتصادي توماس بيكيتي لوصف التحوّل الذي شهدته «الأحزاب اليسارية» في العديد من الدول المتقدمة، حيث انتقلت من تمثيل الطبقة العاملة إلى تمثيل «النخبة المُثقفة والمُتعلمة بشكل عالٍ». ويشير بيكيتي إلى أن هذه الأحزاب «أصبحت تُركِّز على القضايا الثقافية والاجتماعية, بدلاً من التركيز على إعادة توزيع الثروة أو الاهتمام بمشكلات الطبقة العاملة». إّذ إستعان بيكيتي بمفهوم «البراهِمة» من النظام الطبقي الهندي، حيث يُعد البراهمة «أعلى طبقة»، ويعملون علماء ومعلمين وكهنة. ويرمز المصطلح إلى «النُخب التعليمية والثقافية التي تتبنى قيمًا تقدمية», ولكنها غالبًا ما «تكون بعيدة عن التحديات الاقتصادية التي تواجه الطبقات العاملة»).
ما علاقة نتنياهو والليكود بكل ما سبق؟
يقول لارون: قبل عاميْن من وصول مارغريت تاتشر إلى السلطة في المملكة المتحدة، وقبل ثلاثة أعوام من دخول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، عمل حزب الليكود على «تعميق هذه الخطوط الفاصلة والمُزلزلة» من خلال «إطلاق الثورة النيوليبرالية في إسرائيل»، وبالتالي ترسيخ مكانة البلاد بوصفها «مُشارَكة مبكرة في الموجة العالمية».
... التفاصيل المُثيرة.. لم تكتمِل.
للحديث صِلة.
ــ الراي
kharroub@jpf.com.jo